في رمضان المبارك تأخذنا الأجواء الروحانية وسط شعائر الشهر الفضيل إلى مشاعر تغسل ذلك الدرن الذي ران على قلوبنا جراء اللهاث خلف الدنيا وزينتها. نقرأ القرآن بخشوع، ونتدبر معانيه ونعيها لنكتشف تلك المساحات السوداء في دواخلنا وكذلك المواطن البيضاء، لنبحث عما قصرنا فيه وما يمكن عمله في أوجه الخير لنطرق أبواب الرحمة والمغفرة من خلال الدعاء وصلة الرحم، لنرحم القريب، ونتودد للبعيد، ونزرع المساحات البيضاء بالغرس الطيب، ونتخلص من المساحات السوداء في دواخلنا. لا أدري لماذا تتغير نظرتنا تجاه ما في قلوبنا وما حولنا، وتعود الحياة للضمائر، ونجاهد النفس، ونغسل القلب قبل الجسد ونسارع إلى فعل الخيرات ونتجنب الحرمات، وتخفي ما تبذل يمينك عن يسارك وتحاذر أن تغتاب أحداً حتى لا تفطر على لحم أخيك ميتاً، وتتجنب الإساءة إلى الآخرين. نبتعد عن الظلم خوفاً من الظلمات يوم القيامة، نتسامح مع الآخرين ونفتح قلوبنا لهم، ولو بادر أحدهم بإساءة نكتفي بالقول “إني صائم”، نرحم القريب ونحرص على ود البعيد ونتذكر أولئك الذين كانوا يملأون حياتنا وداً وعطفاً ورحلوا وتركونا خلفهم. يعتصرنا الحزن إذ نتذكرهم في صلواتنا وندعو لهم بالرحمة والمغفرة. لا عجب فرمضان أنزل فيه القرآن هدى ورحمة للبشرية جمعاء، ولطالما تحققت فيه الانتصارات وانتشرت فيه الخيرات، فيه نفحات روحانية تنعكس آثارها الإيجابية على المجتمع برمته، لك أن تنظر حولك؛ فالأفراد والجمعيات تتسابق في البحث عن الفقراء لتوزيع الصدقات وما يجود به الصائمون ليكفروا عن ما ارتكبوه من خطايا في حق أنفسهم، ودفع زكاة تعافي أجسادهم. ولعل الصورة الأكبر تظهر جلية في أبناء المجتمع الذين يتوافدون على المساجد لأداء صلاة العشاء والتراويح من كل الأعمار، تغص بهم المساجد ويتضرعون إلى الله بالرحمة والعفو والمغفرة، وأن يحفظ الله القيادة والبلاد وأن يجعلها سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين. هناك في الطرف الآخر من يتبدل ليلهم إلى نهار ونهارهم إلى ليل، يقضون الليل في المقاهي والفنادق والمطاعم حتى الساعات الأولى من الفجر ليغطوا في نوم عميق لا ينتهي إلا عند الغروب. أولئك الذين لا ينالهم من صيامهم سوى العطش والجوع والله أعلم، فاحذر أن تكن منهم واجعل رمضان فرصة لكسب مزيد من الأجر والثواب. jameelrafee@admedia.ae