الذي توفي بالأمس، كارلوس فوينتس، الروائي المكسيكي، اللاتيني، ذو النكهة السردية البنائية، ما يُذكرنا بضعف الرواية العربية الحديثة، التي تنحو نحواً خطابياً، خطياً، لاعبة على الصوت الواحد، غير المُنْجِز للمبدأ الأهم في الرواية، ألا وهو تعتيق عالمها بتنوع مساراتها، وليكن الموضوع ساعتها ما يكون. كانت الرواية في أميركا اللاتينية رواية نهضة، رواية تمرد على التدخل الأجنبي، رواية مقاومة للسائد بفعل الغباء المعرفي للسُلطة، لذلك يقول فوينتس، نحن كُتاب أميركا اللاتينية نضطلع بالسياسي والجمالي معاً. ولننظر إلى الخلطة تلك التي لم تُصِب الأدب العربي إلا نادراً، وتحديداً في القضية الفلسطينية؛ إلى أن حدث تحولاً واضحاً في قصيدة “محمود درويش” مع ديوانه “أعراس”، فبدأت القضية السياسية تعي نفسها أكثر. من ناحية أخرى، غزا أدب قارة سيمون بوليفار العالم، وأحس الكتاب العرب بمدى الأزمة الفكرية التأليفية، حتى أن كاتباً مصرياً، محمد إبراهيم مبروك، اعتزل الكتابة مُصرحاً بمقالة عنوانها “جابرييل جارثيا ماركيز كاتبنا”؛ لماذا ليس علينا أن نكون ضيقي الأفق، ولنكتف بما يحققه غيرنا بالتعبير عن مجتمعنا. وتتوالى الأسئلة لتقارن بين المجتمعين رغبة في فهم الدافع الذي يجعل من مجتمع أميركا اللاتينية المُنتهك أكثر آلاف المرات من المجتمع العربي، يستطيع القفز بمؤلفاته إلى بنية فلسفية سردية، ذات وعي بالمطلوب من الكاتب تحقيقه ككاتب، بينما كُتابنا في أغلبهم وأعمهم، شكيماتهم لينة. قد يذهب الأمر إلى عصامية التربية قراءة وكتابة وتمريناً، إلى جدية التعامل مع الكتابة على أنها مهمة لا تقل عن تهيئة الوضع لكيفية صعود جبل لا يمكن بلوغه. كان يقول الكاتب الروسي “تشيكوف”: الموهبة هي فن تنمية الموهبة. ولنر هذه المعادلة البسيطة، كم تتطلب ليكون الكاتب ثوري النزعة. كل الحوارات التي قرأتها لكتاب أميركا اللاتينية لا تخلو من الإشارة إلى العمل، مسؤولية العمل، الإحاطة بالوجود من خلال العمل، ما يذكرنا باقتصاد الأرض المبني على الزراعة والرعي، وما يُذكرنا بأن في هذا استتباب لأمن المشاركة في صناعة حياة للجميع، وما يُذكرنا بدور فلسفة عصر التنوير الأوروبية بتطوير السياسي، وتسخير السياسة لتثوير إشكالات البؤس اليومي، وليس غير ذلك على الإطلاق. عاث الإسبان فساداً وتدميراً بقارة كارلوس فوينتس على يد “كورتيس” بدء من عام 1591م، وتوالت الحملات، حتى جاءت أميركا مُستكملة المهمة المقدسة للإمبريالية، وكانت مصال الرأسمالية الأميركية تقتضي الإنهاء الفوري على أي طليعة استقلالية، ولن نقول ثورية، وبتمويل من شركات المواد الاستهلاكية. وبخصوص منطقتنا نحن العربية، نملك حق القول بوجود إمبرياليات متتابعة أفشت عقلها الاستعماري، وبلغت مناصبها ما أرادته من استغلال حتى الزرع الأخير للصهيونية جغرافياً في المنطقة. والسؤال هنا أين تذهب منا فِراراً ونسياناً المحاميل السردية لكل هذا، ليس بالضرورة الكتابة عما سلف، بل القصد الإشارة إلى العبء التاريخي الذي يؤشر حتماً إلى بنى فكرية جينية، علينا الاهتمام بها إدراكاً لحاجتنا إلى تربية وجودية من الصفر. amzf@live.com