يقع كثير من الصحفيين العاملين في الحوارات والمقابلات، سواء في بدايات عملهم أو بعد تألقهم، في أخطاء مهنية جسيمة قد تؤثر على سيرتهم المهنية وسمعتهم ومستقبلهم. يحدث ذلك أحياناً من غير قصد، وذلك حينما يخلطون المقابلات الصحفية بمشاعرهم أو بمواقفهم الشخصية، فيسببون نفوراً لدى قطاع من متابعيهم. أو يحدث عن قصد فيضمّنون هذه الحوارات جرعة من التسويق أو المحاباة، أو العلاقات العامة (أو حتى الخاصة). وتزداد هذه الظاهرة غالباً في الدول، التي تغيب فيها جهات حماية وسائل الإعلام من الاستغلال والمصالح الشخصية، أو حتى التجارية. هذه حال كثير من الدول العربية ودول العالم الأقل نمواً. وغالباً ما تستقطب البرامج الحوارية شرائح واسعة من المشاهدين، لا سيما عبر الشاشة الصغيرة، ما يشكل مطمعاً لكثير من الساعين للحصول على النفوذ والدعاية، بكل أنواعها. وبالتالي ثمة ما يهدد جمهور المشاهدين باستغلال غير عفوي، وموجه. قد ينكشف أحياناً وينعكس سلباً على كل المحطة ومقدميها، فتدفع ثمنه سريعاً إذا تكررت هذه الأخطاء، فيهبط بسرعة جمهور البرنامج. لكن غالباً ما يمر ذلك بشكل مبطن، فيتعذر حصر تداعياته السلبية وآثاره على عقول واتجاهات الجمهور، وعلى الحقيقة، والموضوعية، والمصلحة العامة. وبعض الإشكالات الحاصلة في عالم هذه البرامج ينتج عن توازن مصالح. ويتمتع بعض مقدمي البرامج بحضور وسمعة قوية، تستفيد منها المحطات وتساعد على خضوعها لبعض شروط المقدمين. ويحصل أن ينجح بعض المقدمين بتمرير محتويات ورسائل موجهة، وتضطر محطاتهم لغض النظر أو التساهل معهم. بمعنى أوضح: قد يتمكن محاور ما من استغلال برنامجه على أكمل وجه للترويج أو تسويق أحد محدثيه، وبذكاء حاد، وقد يحدث أن تنتبه المحطة لذلك، لكنها تريد الاحتفاظ بهذا المقدم فتخضع للمساومة والابتزاز. وأحياناً قد يحصل العكس، أي تشترك المحطة على مقدمين من مستوى ما تمرير رسائل دعائية أو إعلانية. وفي كلتا الحالتين، يمكن تخيّل المشكلة بصورة أوضح إذا كان مشاهدو البرنامج يعدون بمئات الآلاف من الناس، أو بالملايين، وعندما تستضيف هذه البرامج شخصيات بارزة على علاقة بأحداث الساعة التي تبث عبر قنوات عربية المحتوى، علماً بأن بعض المحطات العربية الإخبارية تقول إن عدد مشاهديها يتجاوز العشرين مليون مشاهد، والقسم الأكبر منهم يهتم بالبرامج الحوارية السياسية على وجه التحديد. لهذا قد نفهم تكرار البعض أن البرامج الحوارية تؤجج الأزمات أحياناً، وتساعد في تخدير الجماهير أحياناً أخرى. وشخصياً، لا أستبعد كل ذلك، على الأقل ريثما يتم تنظيم رصد وتحليل هذه البرامج- والمحطات عموماً- من جهات اختصاص وطنية وقومية ذات كفاءة مهنية وتنظيمية، وتحديد آليات فعالة للشكوى منها وللمحاسبة. وإلاّ فإن الاستغلال قائم في كل لحظة وحين، وهو على كل حال ليس سوى عامل من عوامل هذا الواقع العربي الحزين. barragdr@hotmail.com