فيما بعد·· حين جلست هادئة في رحاب عزلتي، ألملم ما تناثر في ذاكرة الكمبيوتر من أعمالي وجدت تلك النصوص الشعرية، والمخاطبات السردية· فأبهجني لطف مضامينها وطرافتها، وقررت ان اوثق نصوصي الشعرية المرسلة اليهم،- دون ذكر اسمائهم أو تدوين رسائلهم -احتراما للخصوصية- في ديوان يحمل عنوان طبيعتها ومنشأها، فأسميته ''إس إم إس '' على وعد توثيق التخاطب كله بسريدته ونصوصه في التلقي والرد، في كتيب لاحق· ولأن ثقافتنا العربية خارج سيولة الزمن، ربما لأنها صحراوية المنشأ، اسفت أنني لم ادون تاريخ النصوص حين ولادتها على الموبايل إلا للقليل منها· والتاريخ المدون على اغلبها هو تاريخ تفريغها على الكمبيوتر ولم اجد ثمة حاجة لنقل رسالة المرسل مرفقة بردي الشعري، فكل الرسائل او اغلبها الغالب، عادية اللغة وواضحة المعنى، يقترب اغلبها من اللغة المحكية· لذا سأعتقد ان القارئ للنصوص سوف يستنتج مناسبتها من سياق النص ذاته، دون حاجة لقراءة الرسالة المرسلة ومضمونها·لأني اثق بذكاء قارئ الشعر وقدرته على كشف خلفية النص، وحتى السرية التي تتضمنها الدلالة· وحين اقول ''قارئ الشعر، اعني به المتلقي العادي الذي تستهويه قراءة الشعر، ولا اعني الناقد المحترف· فالنقاد هؤلاء غالبا مايخطئون تأويل النص الشعري وكشف دلالاته الخفية، بحكم مساطرهم الجاهزة واسناداتهم الراسخة، فـ ''سارا برنارد'' في تأبيد مفهومها لقصيدة النثر، و''دريدا'' في التفكيكية، و''جاكبسون'' و''سوسير'' في الالسنية، وحتى ''باشلار'' في الفيمنولوجي( الظاهراتية) ، وغيرهم ممن يحفظهم النقاد، واجهلهم، هم المساطر المؤبدة التي يتم بها سبر اغوار نصوص تجاوزت زمنهم وثقافتهم حتى في حضارتهم الراهنة· بينما نقادنا ما زالوا يسندون قاماتهم على جدران آلت بسطوة الزمن للسقوط· ولست أؤمن على الطلاق ان ناقدا ما استطاع ان يوجه شاعرا مبتدءا كيف يكتب الشعر ( الصحيح!!) وكيف يتفرد بصوته الخاص· فأكثر نصائح النقاد للشاعر تشبه سوط المعلم المدرسي، في حفظ النحو والصرف وبحور الخليل، أولا وأبدا، كشرط لازم لكتابة الشعر(!) أو الانضباط وفق مناهج النقد التي جاء بها الاسلاف!( ولنلاحظ هنا ان الفعل''جاء'' يدل على الماضي)· إن ثقتي بالقارئ العادي وشكي بالناقد المحترف تستند الى تجارب وأدلة من خلال مشاركاتي في المهرجانات والامسيات الشعرية في اماكن وبلدان متعددة، والمسار الزمني لتجربتي الشعرية، كما في ما كتب عن مجموعاتي الشعرية من دراسات ومقالات، ليس كتابها نقادا محترفين ، بل قراء مثقفون، او صحفيون مجتهدون، اومتلقون عاديون محبون للشعر فقط· هذه النماذج كشفت لي قدرة القارئ على استنباط الدلالات الخفية، وتقلب الاحوال الوجدانية والظرفية التي كتب فيها النص الشعري، والتي قد لا ينتبه اليها حتى الشاعر اثناء كتابة نصه· أو لاعتقاده انه يخفي على القارئ ما لا يرغب في كشفه· وان لم يكن كل القراء على درجة من المعرفة والملاحظة في التأويل والكشف فأغلبهم يتميز بهذه القدرة· وها أنا اجمع تلك النصوص - رغم خيانة الموبايل حين نغير بطاقاته - في ديوان شعري لعلني به أوثق جزءا من تجربتي ومسار حياتي· كما قد انبش ذكريات الزمن و الحنين والمشاغبة للأحبة الذين كتبتها بوحيهم، ولهم!