الفيلسوف الفرنسي فرانسوا ليوتار (1924-1998) يتحدث عن التجربة الفنية وفعلها فيقول ‘’في الفن يمكن ان تكون التجربة شديدة ومؤثرة جداً، نعم شديدة، والفن المهم الباقي هو الفن ذو الطابع الكوني لأنة يكسر كل الحواجز وكل الحدود. هذا يجعل من هذه التجربة مؤلمة في البداية لكن هي تجربة مفرحة ايضا لانها مليئة بالحياة ـ بدرجة قصوى’’. من هنا نجد عمل الفنان ناصر نصر الله، والذي يحمل عنوان “مخازن” مؤثرا، حيث تمكن ناصر، عبر هذا العمل، من إيصال فكرة صخب الحياة وثرائها ، فنجده يتحدث عن العمل بأنه تجربة جديدة، ومكملة لمشوار تجربة عمله السابق “الأسواق”، ولا تزال العناصر الكثيرة ذات الأحجام المختلفة، والمتراكمة في حيز واحد كالمخازن، كما هي في الأسواق، مصدر إلهام لناصر نصرالله وتشكل دافع له للتجاوب الفني معها، بما يتوازى مع تلك الحشود التي تعطي مؤشرات دالة على صخب الحياة وثرائها، وتدلل في الوقت ذاته على القيمة الزمنية لتحول مكان ما وامتلاكه لمجموعة عناصر، تؤلف روحه ومظهرة الخاص والمتفرد. ففي عمله “المخازن” استخدم ناصر نصرالله اللون الأسود فقط، مع تظليل العناصر المكتظة والمتراصة مع بعضها على سطح اللوح، حيث تخلق تلك العناصر الموجودة في المخازن، لغة تواصل مع ذات وذاكرة الفرد المليئة بالأشياء المرتبطة بالأشخاص، مثل الصورة وآلة الموسيقى والهاتف والكاميرا القديمة والكلاسيكية، قد لا تنتمي إلى ناصر نصرالله، ولكنها تنتمي إلى شخص قريب جدا من ناصر نصرالله، بينما المخزن القريب من المطبخ، فهو عنصر لا يعبر عن الذاكرة، ولكن ما ترغب به المعدة وتشتهيه النفس، فالمواد الغذائية المتراكمة في المخزن تمثل متعه بصرية، يتعايش معها ناصر نصرالله، قبل أن يتم اقتلاعها من المخزن إلى المطبخ ، حيث تستهلك ولم يعد لها وجود، فيتم استبدالها بعنصر غذائي آخر ، ليزرع مكانها في المخزن. فكرة المخازن نابعة من الوسط الذي نعيش فيه، حيث تتراكم الأفكار والأشياء، وحتى الأشخاص على سطح الدماغ، ونظن بأنها فوضى لابد من إعادة تنظيمها، ولكنها تعبر عن تفاعلنا مع المجتمع الداخلي والخارجي، فكلما زادت تلك العناصر، زاد تفاعلنا وأصبحنا أشخاصا ايجابيين في هذه الحياة القصيرة، وقادرين على ايجاد البدائل للصعوبات التي نواجهها في هذه الحياة، لأن الحياة لم تعد بسيطة ، ولم نعد نرى الأمور ببعد واحد، بل هناك أربعة أبعاد ، من ضمنها البعد الزمني . تدفعنا العناصر الموجودة في المخازن، لفهم أنفسنا والأشخاص المحيطين بنا، كما أنها تذكرنا بأشخاص غابت أجسادهم وبقيت أشياؤهم. science_97@yahoo.com