الفكرة عبارة عن خطوة يصعب التنبؤ بحدوثها، لذلك تجد ملايين من الأفكار تتزاحم على سطح الدماغ، بهدف الولادة والانتقال من الوهم إلى الواقع، أي من غياب النور إلى النور نفسه، تلك الأفكار تمثل شخصية الفنان المجهولة، وما نستطيع أن نراه من أفكار مطروحة من خلال المنتج، ما هي إلا حبة رمل وسط صحراء مليئة بكثبان من الرمل. الأفكار المزدحمة على سطح دماغ الفنان، هي عبارة عن اسقاطات اكتسبها الفنان أثناء حياته، يتم ترجمتها عبر السلوك الواعي أو غير الواعي، وهي تمثل شخصية الفنان. عندما يتمكن الفنان من إخراج العمل الفني، يكون في الحقيقة قد تخلص من انفعال سلوكي ترجم عبر مخرج فني، ليعرض من خلاله الفنان قضاياه الداخلية بكل جرأة، وحتى الغير مرغوب منها من قبل المجتمع، يتم قبولها لأنها عبارة عن عمل فني. إذا أراد الفنان أن يخرج الفكرة بمستوى عال ونقي، يجب عليه أن يعتني بالدماغ، ويمده بغذاء العلم والمعرفة، لذلك تجد كثيرا من الفنانين يقضون جل وقتهم في القراءة وليس الإخراج، فعملية الإخراج تستغرق فترة زمنية أقل من عملية التغذية عبر القراءة التي تمكن الفكرة من ولوج الإبداع والتميز. فيما تعتبر عملية اختيار الفكرة المناسبة في الوقت المناسب تتطلب جهدا ذهنيا كبيرا، يكون الفنان هو من له القدرة على اختيار الفكرة وفق شروط تتماشى مع الآخر، ولكن الآخر لا يدرك هذا لجهد المبذول ويطالب الفنان بالمنتج البصري الملموس ويعتبره شرطا أساسيا رافضا العمل المفاهمي مثلا بل ويفصله عن الفن، وحتى ان كان الشخص الذي يعرض العمل، مونيه أو بول سيزان أو غيرهما من الفنانين الذين يشهد لهم المجتمع بالكفاءة، رغم ذلك تجد العكس عند البعض الآخر من المتلقين للعمل الفني حيث انه يقدس الفكرة حتى وإن كان المنتج البصري عبارة عن أكياس من البلاستيك . ففي الواقع لا نستطيع رفض طريقة العرض، لمجرد أنها بعيدة عن اللوحة أو المنحوتة، وذلك لأننا لم نعد نستخدم اللوحة فقط، بل الفكرة يمكن ترجمتها لمخرجات إبداعية مختلفة ضمن البيئة المحيطة. أصعب مرحلة بعد إخراج الفكرة على هيئة منتج مرحلة الترجمة وهي تعتبر الحد الفاصل بين ما هو جيد أو رديء ولا يصلح عرضه، قد يكون المترجم الفنان نفسه، فهو له الحق في تغيير طريقة طرح الفكرة، وقد يكون المقيم، وله الحق في استبعاد الفكرة. science_97@yahoo.com