على مدى أيام خمسة من السادس حتى العاشر من مارس الجاري، انتشر أهل الكلمة المكتوبة في أرجاء دبي في مهرجان متألق متجدد يزداد ثراءً عاماً بعد عام: “مهرجان طيران الإمارات للآداب”. أكثر من 115 مؤلفاً من خمسة وعشرين بلداً مختلفاً، منهم المشهور جاء ليتحدث عن مشوار حياته والتحديات والفكرة الأهم بعد كل ذلك، ومنهم المبتدئ جاء ليصقل تجربته ويشجع الآخرين على البدء مثله وكيف بدا الأمر في الخطوة الأولى أشبه بالمستحيل ثم كيف تنبت لك أجنحة الإبداع والكلمة الحرة المسؤولة، فتصير الدنيا كتاباً أبيض تخط على صفحاته أشواقك الإنسانية الخاصة التي تمد جسراً لآخرين يشاركونك شغف الشوق الإنساني ذاته. تدعم هذا المهرجان الأدبي شركة طيران الإمارات وتشارك مطارات دبي في دعم محاضرات المؤلفين الإماراتيين. وحين تتفق الشركات الربحية لدعم مبادرات أدبية يكون في الدنيا أمل أن تتحد الكلمة مع المال لصنع عالم أجمل. في تلك الأجواء كانت “القراءة” هي الهمُ الشاغل، الكل يريد أن يعرف أكثر، أن يقرأ أكثر، وماذا يقرأ. في زيارتي لمدرسة لطيفة للبنات ضمن فعاليات اليوم التعليمي المصاحب للمهرجان، سألتني إحدى الطالبات: لماذا يجب أن نقرأ الأدب، ألا تكفي كتب المدرسة؟ قلت لها من المهم أن نقرأ الأدب لنستوعب كتب المدرسة أكثر، لتحبي زميلتك التي بجانبك أكثر لتفهميها أكثر حين تتصرف بشكل يغضبك، لتعرفي أن في العالم أماكن كثيرة وناسا كثيرين يشبهوننا في الأمل والتطلع والرغبة في الحياة بسلام. لأن قارئ الأدب يصير مهندساً أفضل، وطبيباً أفضل، وعالما أفضل، ومديرا أفضل، فلا تعارض مع الاهتمام بالأدب والتركيز على الإنجاز في الحياة العملية. كان عنوان المهرجان هذه السنة “الهوية”، وفي حفل الافتتاح كل من صعد على المسرح ابتدأ بالتعريف باسمه إشارة إلى هويته، هادفا للقول إني مثلك أحمل اسماً، وهمّاً، ووطناً، ولدي مثلك أم، فانتظر قبل أن تشهر في وجهي سيف حكمك وتقصيني أو تقضي علي، فالأرض تتسع للجميع. كما حرص المهرجان على الاحتفاء بذكرى الكاتب الإنجليزي “تشارلز ديكنز”، إذ تمت حفل الافتتاح قراءة مقتطفات من رواياته على خلفية جميلة ضمت صوره ولقطات من أفلام اقتبست رواياته. وكنا نتمنى لو رأينا احتفاءً ما بالشاعر الإماراتي الراحل مؤخراً أحمد راشد ثاني، ليعرف العالم القادم للإمارات أننا هنا أيضاً نحتفي بكُتّابنا، أحياء وبعد أن يرحلوا. جاؤوا من أصقاع الأرض المختلفة، مؤلفين في فروع الأدب والفكر والمعرفة المختلفة، ومن غير دبي والإمارات يحتضن الأصقاع المختلفة؟، تحتاج لحضن كبير يتسع الجميع، بمختلف توجهاتهم وأفكارهم، يحتضنهم جميعاً دون أن يميز أو يفاضل. جاؤوا إلى دبي فاحتضنتهم وخرجوا من دبي وهم حتما يحتضنونها، والأكيد أن اسم دبي والإمارات سيتردد كثيرا في أعمال أدبية عالمية قادمة. وهذا ما يفعله الأدب، يُخّلد المكان والإنسان ويحتفي بالتجربة الإنسانية الفريدة، هو جسر لا يكلف شيئا سوى ابتسامة وحضن دافئ. Mariam_alsaedi@hotmail.com