بعد الارتفاع المذهل في أسعار الديزل، والذي وصل فيه الجالون إلى ثمانية عشر درهماً ونصف الدرهم، صارالطريق معبداً وممهداً وسالكاً لكل ذي غرض ونية مبيتة، وصار التجار الآخرون يضعون الحجة الدامغة بأيديهم، ويرفعون الأصوات والأعناق بلا خجل أو وجل وبلا مواربة أو غموض إنهم سيرفعون أسعار المواد الغذائية، لأن أسعار الديزل أصبحت مكلفة ومتلفة لكل ما تجود عليهم به المصانع والمتاجر، لهذا فإن أسعار مواد غذائية أساسية مثل الدجاج قد ارتفعت بنسبة من 4% الى 14%، الأمر الذي يشيع خبراً مفزعاً من أن أوضاع المواد الاستهلاكية الضرورية ذاهبة نحو الصعود وبارتفاع صاروخي لا توقفه صرخات ولا شكاوى، فالمسألة اليوم أصبحت سباقاً محموماً بين أصحاب التوكيلات الكبرى وأصحاب المتاجر، والكل يلقي باللوم على الطرف الآخر، والضحية هذا المسكين المستهلك المتجول في ساحات وباحات المحال التجارية بحثاً عن أسعار لا ترهق كاهله، وأرقام لا توئد فرحته، ولكن كيف يمكن أن يتم ذلك ونحن نعيش صراعاً مريراً بين القوانين التي لا تجد استجابة وبين التجار اللاهثين وراء رفع الأسعار، والقضية أصبحت شائكة ومعقدة، فكلما جادت الحكومة بخير كلما فتح التجار الأفواه، مشمرين عن شراهة ونهم في التهام كل ما هو متاح· وحيال هذا الأمر الجلل، الذي أصاب العظم والدم لابد من وقفة ولابد من إشارة حمراء صارمة توقف هذا الزحف المدمر وتضع حداً للطمع والجشع، ولابد أن يعلم كل تاجر مغامر أن في هذا البلد الموظف البسيط الذي لا يتجاوز راتبه العشرة آلاف درهم، أو أقل، وأن في هذا البلد الأرملة والمطلقة والعاجز والمقعد، هؤلاء بشر ومن أبنائنا وإخواننا يعيشون بيننا ولهم علينا الحق أن نراعي الله في ظروفهم ، وألا يصبح الأمر مجرد أخذ ونهب وسلب، فالوطن للجميع، والجميع فيه شركاء وللشركاء حق في أن يعيشوا كرماء معززين محترمين، لا تسومهم العازة ولا تسوطهم قلة الحيلة والوسيلة· الأمر أصبح في غاية الحرج بعد الهرج والمرج الذي أشعله التجار وأشاعوا جواً من الرعب في نفوس الناس البسطاء ، هؤلاء البسطاء الذين أصبحوا يتخوفون من الآن ومن الغد ماذا يخبئ لهم من أهوال الأهوال، وماذا يدفن لهم في أتون المتاجر المكفهرة من أسعار تلهب صدورهم وتحرق قلوبهم، وتهرق أرواحهم، البسطاء ينتظرون جواباً من أصحاب القرار بأن يوقفوا هذا الغزو الاستهلاكي وأن يضعوا حداً لمهزلة التجارة التي أصبحت تجارة في مصير الناس ومستقبل أبنائهم، لا تجارة في مواد غذائية·