كنت أسيرا وعلى قلبي صخرة. صخرات القلب هي حبيبات رمل صغيرة تتراكم مع الوقت بسبب الأوقات السيئة العديدة التي يمر بها الإنسان في هذه الحياة، وإن لم تنتبه لها سريعاً لتنظف قلبك منها ستتحول إلى صخرة وستفقد إدراك “ما بك”. ستشعر فقط أنك تسير بقلب ثقيل، وستوشك أن تظن أن هذا الوضع اعتيادي ولن تسعى لتغييره. صخرتي تكونت من إهمال هنا، وباب يصفق في وجهي هناك، من أسلوب رديء يبادرني به أحدهم دون ذنب، من فم أمد له يدي بخير فيعضّها، من أمل يطول انتظاره ولا يأتي، من حلم تقول له “صباح الخير” فيقول لك “مع السلامة”. من انتظارات كثيرة لا تنتهي، وخيبات بأحجام مختلفة على مدار الأيام. كلها حبيبات رمال صغيرة تتراكم داخل القلب تتكدس فتصير حصوات ثم صخرة تحتل القلب فيضيق التنفس، وتغيم الرؤية، وتبدو الدنيا أفقاً ضيقاً لا ينتهي. فتكون أمام خيارين إما الاستمرار في السير بصخرتك تحيا بها ثقيلاً على نفسك وعلى غيرك، أو التوقف والبحث عن وسيلةٍ ما لتفتيتها. فكرت أن أدخل إلى مقهى مشمس وأشرب فنجان قهوة. الشمس والقهوة من وسائل تفتيت حصوات القلب أحياناً، وقفت أمام بار الطلبات في طابور بانتظار دوري، كان النادل الإفريقي الشاب يتنقل بين الزبائن، يأخذ طلب هذا ويحاسب ذاك فيما يجهز طلباً آخر، وفي كل الأحوال كان يدندن بأغنية مرحة ويُصَفّر، ويتحرك بخفة كأنه يرقص. حين جاء دوري طلبت فنجان قهوة سوداء. حضّره لي وقبل أن أمضي لارتشافه في إحدى الزوايا المشمسة متفكرة في صخرتي، وجدتني أتسمر مكاني محدّقة بالنادل. كان رجلاً سعيداً. وهذا أذهلني. فقد كنت على كفي أحمل فنجان قهوة وصخرة. رآني أحدق به فسألني: هل هناك شيء سيدتي؟ ابتسمت وقلت له: “لا، فقط أسمعك تغني، تبدو سعيدا”، أجاب ضاحكاً: “نعم، أنا كذلك”. علقت قائلة : “جميل، على الأقل هناك شخص واحد سعيد هنا”، فقال مرحاً “أحب الجاز، إنها تنعش القلب” مشيراً إلى الموسيقى التي تصدح في أرجاء المقهى. “ نعم، هي كذلك، إنها موسيقى عظيمة”، أجبته. في الواقع لم أكن قد انتبهت للموسيقى لأن صخرة القلب أيضا تسد القنوات السمعية. انتبهت لها فقط حين انتبهت لسعادته بها، سعادة إنسان، إنسان واحد، تلك السعادة الواضحة الجلية غير الخجولة من إبداء ذاتها هي الموسيقى الأجمل لأنها تدعوك أيضا للسعادة، تقول لك بصوت لحوح لجوج “افرح معي”. وأنا أتأمله أدركت أن وسائل تفتيت حصوات القلوب زادت واحدة لتصير: فنجان قهوة وشمساً وشخصاً سعيداً. تحتاج لشخص واحد سعيد حولك، سعيد بصدق وبساطة، بدون مواربة، لتكون بخير. حملت قهوتي وأنا أشعر أن الصخرة بداخل قلبي تتفتت لتخرج مع أنفاسي غباراً خفيفاً يتطاير ويرحل للبعيد، شكرا للنادل السعيد. Mariam_alsaedi@hotmail.com