حين كان علي اختيار تخصصي الدراسي في الصف الثاني الثانوي، اخترت العلمي- لأني كنت أرغب بدراسته - لكن مديرة المدرسة ووكيلتها وقفتا لي بالمرصاد، ورفضتا أن أدرس العلمي على اعتبار أن درجاتي في المواد الأدبية «أفضل»، ولأني عجزت عن إقناعهما ولم يرغب أحد من أسرتي بالتدخل، درست الأدبي وتوجته بدراسة الصحافة في الجامعة. تكرر هذا الموقف مع أخواتي، ثم تكرر هذا العام مع شقيقي، وبرغم أن درجاته في المواد العلمية كانت مرتفعة، إلا أن فارقاً بسيطاً في المواد الأدبية جعل مدير المدرسة ونائبه يقرران إدراج اسمه في الصفوف الأدبية، قاوم شقيقي الأمر بشدة، وتدخل الأهل، لكن إدارة المدرسة ظلت تقنعنا بأنهم «أدرى» بمصلحة الطالب، ومن ثم درس شقيقي التخصص الأدبي. تذكرت هذا الموقف وأنا أقرأ خبراً نشر قبل يومين عن عزوف الطلبة الإماراتيين على الالتحاق بالتخصص العلمي، وتحميل النظام التعليمي بالكامل مسؤولية ذلك. من يقرأ الخبر وتصادفه الإحصائية التالية: بلغ إجمالي عدد طلبة الثاني عشر بالمدارس الحكومية بمدارس «أبوظبي للتعليم» للعام الدراسي الحالي 2010/ 2011 ما مجموعه 11 ألفاً، 242 طالباً وطالبة، منهم 8361 طالباً وطالبة بالقسم الأدبي بنسبة 74,4% مقابل 2881 طالباً وطالبة في القسم العلمي بنسبة 25,6% فقط. ليس في الموضوع غرابة ولا انتقاص، لكن هذا الخلل في توزيع الطلاب بين التخصصين ليس مسؤولية النظام التعليمي لوحده، لأن معظم المدارس التي تهتم بمدى نسب الناجحين في الثانوية العامة من طلابها، وتحاول الهروب من عبارة « لم ينجح أحد» التي تضر بالتأكيد بسمعتها الأكاديمية وقوة مدرسيها في السلم التعليمي، تتجه لأخذ قرار اختيار التخصص عوضاً عن طلابها، دون الإصغاء لرغبة الطالب الخاصة، ولا حتى اعتماد النظر في مسألة اختلاف النظام التعليمي بين الجامعة والمدرسة وإمكانية أن يتفوق طالب جامعي كان من ذوي المعدل المتوسط أو حتى المقبول في الثانوية. وحتى لو سلمنا بأن الطلبة المواطنين يختارون تخصصهم بأنفسهم «دوما»، يبقى التساؤل قائماً لم العزوف عن تخصص العلمي والاتجاه لدراسة الأدبي بذريعة أنه التخصص «الأسهل» ، وكيف لا يستطيع المواطنون معظمهم الاستمرار في دراسة المواد العلمية طويلا، ليعودوا إلى اختيار التخصص الأدبي على اعتبار الحصول على الشهادة «والسلام». ببساطة معظم الطلبة المواطنين «مرفهون» يمتلكون وسائل تقنية عالية، ولديهم من «المسليات» قائمة طويلة بدءاً من أجهزة البلاك بيري إلى السينما والمول، مروراً باللاب توب والدراجات، والاسكوترات والتنزهات الكثيرة لأن السائق في الخدمة دوما، وغيرها من الرفاهية الغير متوافرة لمعظم الطلاب من الجنسيات الأخرى. أثرت الرفاهية الكبيرة على مستوى التحصيل العلمي، ولم تعد للدراسة تلك القيمة المهمة في حياة الطالب المواطن، بدليل نسبة التسرب الكبيرة التي تعانيها المدارس الثانوية أو مسألة عدم الالتحاق بالكليات. فالدراسة والحصول على شهادة لم تعد هدفاً للكثيرين للأسف، وصار الأمر يقتصر على إنهاء الثانوية والبحث عن عمل، لذا خرجت المشاريع التقنية والصناعية من عقول المواطنين أساساً، ولم يعد الكثير منهم يفكرون في الالتحاق بها كعمل يرتزقون منه، لأن الرفاهية جعلتهم يودون الاستمرار في الحياة الاستهلاكية دون الانصهار في العمل التقني. مسألة عزوف الطلبة عن الالتحاق بالقسم العلمي ليست مجرد عجز أكاديمي، إنه خلل يفضح خللاً آخر في عملية التربية المنزلية للطلبة وفي عملية توزيع الطلبة بناء على رغبة المدرسة وحتى في مسألة عدم التوعية بأهمية المشاريع التقنية والصناعية التي تقوم بها الدولة ولا يعرف الطلبة شيئاً عنها. فتحية البلوشي