لم نكد نخلص من حسينيات الأخبار المفزعة والمشاهد المفزعة من قتل وذبح على الطريقة ''القاعدية'' ودمار وخراب يملأ التضاريس العربية حتى نصحو على المسلسلات التليفزيونية بأحزانها وآلامها وسذاجة طرحها وجاهلية تناولها لقضايا الإنسان في المنطقة·· يبدو لي وكأننا موعودون بداحس والغبراء ومقدر علينا أن ننام ونصحو على فكرة الموت والفلسفات العدمية المجهضة لكل ما هو ناصع في هذه الحياة المجحفة بحق الإنسان الذي يجب أن يعيش حياة طبيعية كسائر شعوب العالم· وكل ما نخشاه وجراء هذا الإسفاف والاستخفاف بعقل الإنسان ومصيره ومستقبله أن ينشأ من بيننا جيل فاقد، حاقد، جامد، عديم، سقيم، لا يقرأ من مكونات الحياة غير الخذلان والانهزامية والاستهتار بقيمة الزمن واستثماره فيما ينفع ويفيد، وأمام طرح كهذا نحن مدعوون بالمطالبة بمؤسسة تقيم وتقوم الأعمال الفنية قبل طرحها لأنني وكما أعتقد أن الفنانين والكتاب قد فهموا الرسالة خطأ فالحرية لا تعني الفوضى والشفافية لا تعني إطلاق الحبل على غاربه والترويج لعمل ما لا يعني الاستهانة بالثوابت والقيم، ولا يعني أيضاً فتح الطريق أمام أعمال هزيلة تضاعف من همومنا وتسف وتستخف بثقافتنا· القضية لا تحتمل التفكير أو التأجيل لأنها قضية تمس وجدان الإنسان وجوهره ومعطياته التي اكتسبها على مدى القرون، وكون أصحاب المؤسسات الإنتاجية توغلوا في التخريب وتهريب مفاهيم القصد منها الترويج دون أدنى حساب لما سوف تورثه مثل هذه المنتجات فاقدة الصلاحية من تفكيك البنية الثقافية وإعطاب مسيرتها وضرب ثوابتها فإننا نرى أن من واجبنا دق جرس الإنذار والتحذير من خطر قادم ألا وهو جيل سوف يجد نفسه أمام تيارات جارفة راعفة غارفة من حثالة ونخالة المنتج الفني·· فالفن إبداع ورقي وما نشاهده هو استفراغ مقزز ومستفز يبعث الأسف والحسف على جيل نحن الذين دفعناه دفعاً إلى الانحراف والانجراف باتجاه هاوية قد لا نستطيع انتشاله من براثنها· ولا يسعني إلا أن أقول في هذا المقام ليس كل ما يلمع ذهباً وليس كل ما يسرد على الشاشات التليفزيونية فناً·· بل هو شيء من الاستسهال والإسهال الذي قد يؤدي الى الأنيميا الثقافية وهبوط ضغط الدم في القيم·