لم تكن الإحصائية التي نشرتها صحة أبوظبي حول خصوبة المواطنين صادمة أو مستغربة، فقد سبقتها إحصائيات عديدة، منها واحدة صدرت عام 2008 وأكدت أن خصوبة المواطنين انخفضت للنصف خلال السنوات ما بين 1998- 2008 أي في عشر سنوات فقط. معدل المواليد في أي دولة هو ما يطلق عليه اصطلاحا بالخصوبة، وانكماش عدد مواليد الأسر الإماراتية من ثمانية أبناء للأسرة إلى 4 أو أقل يعرف باسم انخفاض الخصوبة، وهو أمر خطير تهتم الدول الكبرى بدراسته ومكافحته ومحاولة السيطرة عليه. لن أكون ممن يرمون التهمة حول هذا الموضوع على طرف معين، فخصوبة الأسرة مسؤولية المجتمع ككل، وليست أمراً محصوراً بالأم والأب. كنظام حياة عام، تعاني الأسر الإماراتية من مشاكل كثيرة أبرزها مشاكل الديون التي صدرت بعض التشريعات لحلها مؤخرا، ومشاكل السكن والانتظار الطويل للحصول عليه، هناك أيضا مشكلة تركز الأعمال في إمارات بعينها ما يعني عمل رب الأسرة في مناطق بعيدة عن بيته، مشاكل الغلاء وعدم كفاية بدل الأبناء لمواجهة متطلباتهم الحقيقية، وغيرها من المشاكل. على النطاق المجتمعي صارت أغلب الأسر تعمد إلى المباعدة بين الولادات وتقليل الإنجاب، إما بغرض التمكن من توفير حياة لطفلين عوضا عن أربعة أو لعدم القدرة على العناية بأكثر من ثلاثة أطفال أو حتى لعدم استمرار الزواج بعد انتشار الطلاق بنسب كبيرة بين المواطنين، بل إن الخوف من الطلاق سبب وجيه للاحجام عن الإنجاب لما يتبع الطلاق من مشكلات لا حصر لها. من الأسباب التي تمنع الإماراتيات من الإنجاب تغير وتيرة الحياة، ارتباطهن بالعمل وما يترافق معه من إرهاق لا يتلاءم مع الحمل عدة مرات، قصر إجازة الأمومة، وارتفاع سن التقاعد مع زيادة ساعات العمل، وكلها أسباب تدعو المرأة إلى التفكير مليا قبل الحمل، خاصة وأن أغلب الآباء يرمون تعب الأبناء على الأمهات. هناك أيضا مقاييس الجمال المهمة في الحياة الأسرية، فالمرأة تود الحفاظ على أنوثتها وجمالها لأطول فترة ممكنة وتواتر الولادات وما يتبعه من انهماك في عملية التربية والمتابعة والإشراف على كتيبة من الأطفال المشاغبين لا يتوافق أبدا مع حرص المرأة على أنوثتها، وإهمالها في أي جانب من الاثنين سيؤدي بالتأكيد لخسارتها الزوج. من المشكلات التي تتسبب في قلة عدد المواليد المواطنين أيضا غياب الدعم للزوجة الثانية، يخاف المواطن من الارتباط بزوجة ثانية وإن كان مطلقا من قبل بسبب استحالة الحصول على مسكن حكومي للزوجة الثانية، وبالتالي البقاء تحت رحمة الإيجار للأبد وهو الأمر الذي يجعل إنجاب الأطفال مغامرة. أسباب كثيرة لا يمكن حصرها تمكنت من فرض نفسها على الأسرة الإماراتية وأثرت بشكل كبير في انخفاض عدد الأبناء، وهي تحتاج لتحرك رسمي سريع بغرض السيطرة عليها قبل أن تصبح مشكلة ديموغرافية صعبة الحل.