قبل ثلاثة أشهر فحسب كانت «آنا اسبستيان» تجلس في دار للسينما مع والدتها وابنتها يشاهدن فيلماً. لكن مثل هذه الرفاهية تبدو بعيدة للغاية اليوم، فمنذئذ لم يعد بوسع الأم والحفيدة أن تجتمعا مع الجدة في مكان واحد. ولذا، وفي الأيام القليلة الماضية، انتحبت «اسبستيان» حين تلقت رسالة بالبريد الإلكتروني من مركز رعاية المسنين الذي تعيش فيه والدتها يخبرها أنه وجد طريقة آمنة كي تزور الأسر النزلاء. وحين سألتها ابنتها ريدلي البالغة من العمر تسع سنوات عن سبب دموعها قالت لها إنها «دموع الفرح».وقبل هذه الرسالة لم تكن اسبستيان رأت والدتها وجهاً لوجه منذ أسابيع.
وقررت في البداية أن تبقى بعيدة عن مركز بروكدال آرلنجتون في فيرجينيا لأنها سافرت خارج الولاية ولا تريد نقل فيروس كورونا من دون أن تدري إلى المقر. ومركز الرعاية هذا- مثل كثير من الأماكن التي تأوي المسنين الذين هم أكثر الناس عرضة للإصابة بفيروس كورونا - لا يسمح إلا بدخول الأفراد الأساسيين.
وما يعنيه هذا إلى 143 نزيلاً هناك هو أن الزيارات الاعتيادية أصبحت افتراضية إلى حد كبير. فتناول الغذاء سوياً كل يوم والعشاء الأسبوعي والعناق، كل هذا توقف.
وهذا التوقف للتواصل والتفاعل الإنساني ليس مقتصراً بالتأكيد على هؤلاء النزلاء. فقد أجبرت إجراءات التباعد الاجتماعي المفروضة بسبب خطر انتشار فيروس كورونا معظمنا على الابتعاد عن أشخاص نقترب منهم عادة مثل زملاء العمل والأصدقاء وأفراد الأسرة.
لكن عدم قضاء الوقت سوياً ربما يكون أقسى على أشخاص ربما يعد في عمرهم الكثير من الوقت أو تتسرب ذكرياتهم منهم. تتراوح أعمار المقيمين في «بروكديل آرلنجتون» من 60 عاما إلى 101 عام، وكثيرون منهم مصاب بخرف الشيخوخة. وهذا يعني أن فريق العاملين يضطرون إلى تذكير النزلاء بالفيروس مراراً وتكراراً.
ويتعين عليهم أيضاً أن يذكروا بعضهم يوماً بعد يوم عن السبب الذي لا يجعل أحداً يزورهم. وهذا يلقي الضوء على أهمية ما حدث في الأيام القليلة الماضية. ففي مسعى لإعطاء النزلاء وأقاربهم طريقة لصنع ذكريات جديدة، جعل فريق العاملين من بابين زجاجيين فاصلين بين غرفة الطعام وفناء دار الرعاية نقطة التقاء.
وزينوا المنطقة بزهور وأغصان الكروم من الورق ووضعوا مقاعد مريحة على جانبي هذه الأبواب.
ولا يستطيع النزلاء معانقة زوارهم لكنهم على الأقل يمكنهم رؤيتهم. ويمكنهم لمس الزجاج الذي يفصلهم عن أزواجهم وأشقائهم وأبنائهم وأحفادهم. وذهبت «اسبستيان» وابنتها ريدلي لرؤية والدة سبستيان، «دونا فورسمان» البالغة من العمر 78 عاماً التي كانت تعمل قبل تقاعدها في مجال الإعلانات. وساعدت «فورسمان» فريق العاملين مساء يوم الخميس الماضي- اليوم السابق على الزيارة- في تزيين المكان، وأخبرتهم أنها تريد التأكد أنه مثالي بالنسبة لحفيدتها. وحين جلست الحفيدة على مقعد، كانت الجدة هناك بانتظارها، ووضعت «ريدلي» راحة يدها على الزجاج وكذلك فعلت الجدة. والتقط الاثنان الهاتف وتحدثا عبره. وحدّثت ريدلي جدتها عما تدرسه في المدرسة المغلقة الآن. وسألت «اسبستيان» والدتها عن أحوالها وعما إذا كانت تريد بعض ترشيحات من أفلام نتفليكس. وأثناء الحديث بينهما، نبهت «اسبتستيان» ابنتها من حين إلى آخر بأن تتوقف عن لمس وجهها. ورغم الزهور الورقية الملونة أمامهم وزهور أشجار الكرز المتساقطة على الأرض خلفهم، لم ينسهم هذا الجو الجميل السبب الكئيب الذي يمنعهم من الدخول. فهناك مطهر الأيدي على طاولة قريبة وزجاجة مبيد للجراثيم على حافة من الطوب حول حوض زهور. «اسبستيان» تدرك أن أمها في المراحل المبكرة من خرف الشيوخة، فرغم إدراكها لما يعنيه الفيروس لكنها تحتاج إلى تذكير من حين إلى آخر بأخطاره. وحسب «كلوي بورك»، المديرة التنفيذية لمركز بروكديل آرلنجتون، أن نحو نصف النزلاء يعانون من درجة ما من خرف الشيخوخة. وبقاء هؤلاء السكان مرتبطين بأفراد أسرهم له أهمية خاصة.
فقد لا يدركون ما يجري في مكالمة بالصوت والصورة عبر الإنترنت لكن رؤية ذويهم أمامهم مهم للغاية، لهم ولذويهم. وأشارت «بورك» إلى أن فكرة الزيارات ظهرت في اجتماع لفريق العاملين.
وبعدها قرروا إرسال رسائل إلكترونية يسألون الأسر فيها عن مدى استعدادهم للقيام بزيارة عبر أبواب زجاجية لذويهم في المركز. وتلقى فريق العاملين أكثر من 20 رداً في أول 30 دقيقة.
ويوم الجمعة، نظم الفريق 10 زيارات، واحدة تلو الأخرى، ليتسنى لهم بعض الوقت كي ينظفوا المكان ويطهرونه بين كل زيارة وأخرى.
وذكرت بورك أنها تأمل في عقد المزيد من الزيارات في الأسابيع المقبلة. وردت «اسبستيان»، وهي الابنة الوحيدة لفورسمان، على الفور على الرسالة الإلكترونية. وقالت اسبستيان «لا أعرف إذا ما كانت ستتذكر هذا بعد أسبوع أم لا. لكني أعلم ما يعنيه لها الآن. وأعلم ما يعنيه لنا. سانتهز كل فرصة لأرى وجهها». وحين انتهى موعد الزيارة، طمأنت اسبستيان أمها قائلة إنها ستزوها لاحقاً.
وطبعت ريدلي قبلة على أصابعها ووضعتها على زجاج الباب. وفعلت الجدة الشيء نفسه. ثم وضعت الجدة يدها على الزجاج في جانبها من الباب ووضعت الأم والحفيدة أيديهما على الزجاج في الجانب الآخر لفترة من الوقت وكأنما التصق الجميع بباب اللقاء ولو لفترة من الوقت.
* صحفية أميركية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»