من الملاحظ خلال السنوات والعقود القليلة الماضية، تزايدَ معدلات الإصابة بالأمراض السرطانية، بين غالبية المجتمعات والطوائف العمرية المختلفة. وتُطرح العديد من النظريات لتفسير هذه الظاهرة، مثل أن ازدياد متوسط أو مؤمل العمر لأفراد الجنس البشري. حيث إنه من المعروف والثابت أن احتمالات الإصابة بالأمراض السرطانية تتزايد مع التقدم في العمر، وإن كان هذا لا يعني أن التقدم في العمر يفرض بالضرورة الإصابة بالسرطان، فقط كلما تقدم عمر الإنسان زادت احتمالات إصابته.
النظرية الأخرى التي تحاول تفسير زيادة معدلات الإصابة بالأمراض السرطانية، ترتكن إلى حقيقة أن إنسان العصر الحديث مقارنة بأسلافه، أصبح يحيى في بيئة ملوثة بالعديد من المواد الكيميائية. وهو ما يتضح من معدلات تلوث الهواء والماء والغذاء، ليس فقط بالكيماويات، وإنما أيضاً بالهرمونات، والمضادات الحيوية، والمبيدات الحشرية والزراعية. أضف إلى ذلك حقيقة أن جزءاً لا يستهان به من غذاء إنسان العصر الحديث، أصبح يتعرض لعمليات تصنيعية مكثفة، تغير من تركيبته ومكوناته الطبيعية.
بينما يرى البعض أن طبيعة هذا الغذاء قد تغيرت خلال تلك الفترة، حيث أصبح يحتوي على كميات أقل من الخضروات والفواكه، بما تحمله من مضادات للأكسدة تساعد على حماية الخلية ومنعها من التحول لخلية سرطانية، وبالترافق مع استهلاك كميات أكبر من اللحوم الحمراء، ومن النشويات والسكريات، خصوصاً المشروبات الغازية المحلاة والعصائر الطبيعية. هذه المشروبات الغازية والعصائر الطبيعية، وعلاقتها بازدياد احتمال الإصابة بالأمراض السرطانية، كانت محل دراسة أجراها علماء جامعة «السوربون» الفرنسية، ونشرت في الشهر الماضي في واحدة من أشهر وأعرق الدوريات الطبية (British Medical Journal).
وخلصت هذه الدراسة التي استغرقت خمس سنوات وشملت 100 ألف شخص، إلى وجود علاقة بين معدلات استهلاك المشروبات الغازية والعصائر الطبيعية وبين احتمالات الإصابة بالأمراض السرطانية، وإن كانت الدراسة لم توضح ما إذا كانت هذه العلاقة سببية أم عرضية. بمعنى، أن الدراسة سابقة الذكر لم تثبت أن تناول المشروبات السكرية بمختلف أنواعها هو «سبب» للإصابة بالسرطان، أم أن الإفراط في تناول تلك المشروبات يترافق مع ظروف ونمط حياة تتواجد فيه عوامل أخرى، معروف عنها علاقتها الثابتة والمؤكدة بزيادة احتمالات الإصابة بالأمراض السرطانية. فعلى سبيل المثال، يترافق الإفراط في استهلاك المشروبات السكرية مع زيادة الوزن والسمنة، وهما عاملان معروف عنهما علاقتهما الوطيدة بعدد من الأمراض السرطانية. ولدرجة أنه بعد التدخين، تعتبر السمنة أهم عوامل الخطر خلف زيادة احتمالات الإصابة بالأمراض السرطانية. وتتنوع وتتعدد أنواع الأمراض السرطانية المرتبطة بالسمنة وزيادة الوزن، حيث يبلغ عددها حالياً 13 نوعاً مختلفاً، ويتم ترتيبها على حسب قوة هذه العلاقة كالتالي: سرطان الثدي بين النساء اللاتي تخطين سن اليأس، ثم سرطان الأمعاء، ثم سرطان الرحم، ثم سرطان المريء، ثم سرطان البنكرياس، ثم سرطان الكليتين، ثم سرطان الكبد، ثم سرطان المعدة، ثم سرطان الحوصلة المرارية، ثم سرطان المبيضين، ثم سرطان الغدة الدرقية، ثم أحد أنواع سرطان خلايا الدم، ثم أحد أنواع سرطان خلايا المخ.
وإذا ما استطردنا في الحديث عن نمط أو أسلوب الحياة، خصوصاً بين من يستهلكون كميات كبيرة من المشروبات السكرية، ويعانون من زيادة الوزن والسمنة، فسنجد أن أسلوب حياتهم يتصف بسلوكيات أخرى معروف عنها ارتباطها بالأمراض السرطانية، مثل التدخين، وعدم تناول كميات كافية من الخضروات والفواكه، وتناول كميات كبيرة من اللحوم الحمراء والأغذية المصنّعة وفائقة التصنيع، بالإضافة إلى عدم ممارسة الرياضة والنشاط البدني بشكل كافٍ أو منتظم.
ولذا، فإنه بخلاف الأمراض السرطانية، خلصت نتائج دراسة نشرت في شهر مايو الماضي في إحدى الدوريات الطبية المرموقة، وهي «JAMA Network Open»، كان قد أجراها علماء جامعة «إيموري» بمدينة أطلانتا الأميركية، إلى أن «الإفراط» في تناول المشروبات السكرية، بما في ذلك العصائر الطبيعية مئة في المئة، يزيد من احتمالات الوفاة المبكرة. وإذا ما خصصنا بالحديث هنا الإفراط في تناول العصائر الطبيعية فقط، فسنجد أنها تزيد من احتمالات الوفاة المبكرة بنسبة تتراوح بين 9 إلى 42 في المئة.
وجدير بالذكر هنا، أن الدراسات سابقة الذكر تتعلق بالإفراط في شرب العصائر الطبيعية، أما شرب كوب من العصير الطبيعي الطازج يومياً، فيحمل في طياته فوائد صحية، بسبب المحتوى المرتفع من الفيتامينات والمعادن، وإن كان يفضل تناول الفواكه كاملة بدل من عصرها، للاستفادة من جميع محتوياتها، خصوصاً الألياف، والتي تحمل في حد ذاتها فوائد صحية جمة.