اتخذت الحكومة السريلانكية خطوة جديدة لإنهاء التطرف والإرهاب في بلادها، حيث قامت بطرد 600 أجنبي بينهم 200 داعية إسلامي، وذلك عقب اعتداءات عيد الفصح الدامي التي قامت بها «جماعة التوحيد» المحلية المرتبطة بتنظيم «داعش» الإرهابي. وقد أعلنت الجماعة المتطرفة مسؤوليتها عن التفجيرات التي أودت بحياة نحو 300 شخص وأوقعت أكثر من 600 جريح. ويتزعم «جماعة التوحيد» السريلانكية المدعو «زهران هاشم» الذي سبق أن اتهمته السلطات بتحطيم التماثيل البوذية.
وزير الداخلية السريلانكي أوضح أن الدعاة دخلوا البلاد بشكل قانوني، لكن تبين بعد العملية الأمنية التي تلت الاعتداءات أنهم تجاوزوا المدة المحددة في تأشيرات الدخول، لذلك فُرضت عليهم غرامات تخلف نتيجة لتأخرهم عن المدة المحددة ثم تم طردهم. وأوضح الوزير بأن بلاده تعودت على استقبال دعاة أجانب منذ عقود، وأنه ليس لديها مشكلة معهم، لكن الكثير من التطورات حصلت في الفترة الماضية الأخيرة، ومن ثم فقد قررت الحكومة توسيع الحكومة دائرة المتابعة. كما أكد أنه نظراً للوضع الحالي في البلاد، أعادت السلطات السريلانكية النظر في نظام منح التأشيرات لمدرسي الدين، موضحاً أن من بين من رحلوا من البلاد 200 داعية مسلم من بنجلاديش والهند والمالديف وباكستان.
والسؤال ينبغي طرحه: لماذا الإرهاب في بلد مسالم لم يألف العنف منذ انتهاء الحرب الأهلية فيه بين الأغلبية السنهالية والأقلية التاميلية، والتي دامت مدة 26 عاماً في الفترة من عام 1983 وحتى عام 2009؟
الأمر الذي لا يقدره الإرهابيون هو أن سريلانكا بلد مسالم تتعايش فيها عدة مجموعات دينية، حيث يشكل البوذيون نسبة 70.2% من مجموع السكان المقدر عددهم بحوالي 21.44 مليون نسمة، بينما يشكل الهندوس نسبة 12.6%، يليهم المسلمون بنسبة 10%، ثم المسيحيون بنسبة 6%. مما يعني أن المسلمين في هذا البلد أقلية ضمن مجتمع متعدد الهويات.
وقد انتشر الإسلام في سريلانكا من خلال التجار العرب الذين تعايشوا بسلام مع السكان المحليين طوال تاريخ هذه البلاد.. لكن التطرف الديني انتشر هناك على أيدي مشايخ أجانب جاؤوا للعمل كخطباء ودعاة في المساجد وأصبحوا مسؤولين عن بروز ظاهرة التشدد بين أفراد الأقلية الإسلامية التي ظلت مسالمة طوال قرون قبل مقدم أولئك المشايخ.
ومن اللافت أن رئيس الكنيسة الكاثوليكية في سريلانكا دعا إلى الهدوء بعد اندلاع أعمال العنف المتفرقة بين المسيحيين والمسلمين في شمال العاصمة كولومبو، والتي دفعت الشرطة إلى فرض حظر تجوال في المنطقة.
والآن نتساءل: ما هي الدروس التي يمكن استنباطها من هذه التجربة؟
لعل أهم درس هو أن تطرف بعض المشايخ الدينيين ومغالاتهم وقلة علمهم بتعاليم الدين الحنيف.. تقود حتماً إلى المغالاة في الدين والإرهاب، لذا كانت الخطوات السعودية والإماراتية بتعزيز الوسطية وإبعاد مشايخ التطرف خطوات في الطريق الصحيح. ولعل ما شاهدناه مؤخراً عبر الإعلام من اعتذار أحد مشايخ الدين البارزين، وهو عايض القرني، للشعب السعودي، واعترافه بالخطأ في دعواته للتطرف، هو كذلك موقف صحيح ومطلوب.
عالمنا المعاصر يرفض التطرف الديني والقومي، لأن جوهر الأديان جميعاً هو الاعتدال والوسطية واحترام الإنسان.