على ما يبدو أن أفرد شعوب ومجتمعات العالم قاطبة، يشعرون حالياً بمستويات قياسية من الحزن والغضب والخوف، على حسب التقرير السنوي عن الحالة النفسية العالمية (Global State of Emotions) والذي صدر نهاية الأسبوع الماضي عن مؤسسة «جالوب» الأميركية المعنية باستطلاعات الرأي الدولية.
وعلى حسب هذا التقرير، فقد بلغت المشاعر الثلاث تلك، الحزن والغضب والخوف، مستويات مساوية لمستوياتها عام 2017، والذي اعتبر عاماً قياسياً على مستوى البؤس وسوء الحالة النفسية. ويعزى هذا الوضع النفسي العالمي إلى تصاعد وتيرة الحروب والصراعات المسلحة، والأزمات السياسية، والطوارئ والكوارث الإنسانية، خلال الاثني عشر شهراً المنصرمة.
وتوصل القائمون على تقرير الحالة النفسية العالمية، والذي يصدر سنوياً منذ عام 2006، إلى تلك النتيجة من خلال إجراء 151 ألف مقابلة شخصية، في 140 دولة، خلال عام 2018. حيث اكتشفوا أن 4 من كل 10 أشخاص يعانون من قلق شديد، كما أعرب ثلث من شاركوا في الاستطلاع عن شعورهم بالتوتر، وهي نفس نسبة من صرحوا بأنهم يشعرون بآلام بدنية شديدة. وأعرب ربع المشاركين عن شعورهم بالحزن، وبنسبة مقاربة عن شعورهم بالغضب.
وعلى ما يبدو فإن هذه المشاعر السلبية، لم تتوزع بشكل متساوٍ على مجتمعات وشعوب الدول، حيث احتلت عشر دول رأس قائمة المشاعر الأكثر سلبية، وهي بالترتيب: تشاد، والنيجر، وسيراليون، والعراق، وإيران، وبنين، وليبريا، وغينيا، والأراضي الفلسطينية، والكونغو. وإذا ما خصصنا بالحديث تشاد، فيمكن أن ندرك سبب احتلالها رأس هذه القائمة غير الحميدة، حيث يعاني الاقتصاد التشادي من ركود عميق منذ عام 2014 مع انخفاض أسعار النفط، مما أدى إلى تدهور مستوى المعيشة، لدرجة أن 6 ملايين من السكان البالغ عددهم 15 مليوناً، أصبحوا الآن يعيشون في حالة من الفقر الشديد. أضف إلى ذلك تزايد معدلات العنف، والنزوح الداخلي، وانهيار الخدمات الأساسية.. وهي العوامل التي تركت جميعها أثراً سلبياً فادحاً على آلاف العائلات التشادية، ولدرجة أن 72 في المئة من أفراد الشعب التشادي كانوا غير قادرين في وقت ما خلال العام الماضي على الحصول على الغذاء الكافي، وذلك وفقاً للعدد الجديد من تقرير جالوب المذكور. ومما زاد الطين بلة، قرار الحكومة منذ بداية عام 2018 بإغلاق شبكة الإنترنت وإيقافها تماماً، حيث لم يعد بإمكان الغالبية العظمى من الشعب التشادي استخدام الشبكة العنكبوتية، بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي.
وعلى النقيض من ذلك، تمتعت شعوب دول أميركا اللاتينية بمعدلات مرتفعة من المشاعر الإيجابية، على الرغم من ارتفاع مستويات الفقر والعنف في تلك الدول. حيث احتلت باراجواي رأس قائمة الدول الأكثر سعادة والأكثر إيجابية في العالم، وبفارق بسيط عن بنما، وجوايتمالا، والمكسيك، والسفادور، وهندوراس.. والتي سجلت جميعها مستويات مرتفعة جداً من السعادة والإيجابية. وفسر الباحثون هذا التناقض على أنه يأتي نتيجةً الاختلافات الثقافية، حيث تتصف الثقافة اللاتينية بالتركيز على الأشياء الإيجابية في الحياة، وعدم التركيز على السلبيات أو اجترارها، ومحاولة الاستمتاع - قدر المستطاع- بما هو متاح ومتوفر، والضحك والمرح قدر الإمكان.
ولذا، ورغم أن الدول الاسكندنافية غالباً ما تحتل مراكز متقدمة في تقرير الأمم المتحدة للسعادة الدولية (United Nations’ World Happiness Report)، حيث احتلت كل من فنلندا والدنمارك والنرويج وآيسلندا، المراكز الأربعة الأولى في تقرير هذا العام، فإن تقرير جالوب، والذي اعتمد مقاربة مختلفة في التقييم، بالاعتماد على المقابلات الشخصية، لطالما وجد مستويات أعلى من الرضا والقناعة والغبطة في دول أميركا اللاتينية.
والمفارقة أنه في الوقت الذي سجل فيه التقرير سابق الذكر مستويات قياسية من المشاعر السلبية، فقد سجل كذلك مستويات قياسية من المشاعر الإيجابية. بمعنى، أن أعداد من أصبحوا يعيشون تحت سحابة سوداء من المشاعر السلبية قد تزايدت، وفي نفس الوقت تزايدت أعداد من يعيشون تحت أشعة شمس مشرقة من المشاعر الإيجابية. وهو إن دل على شيء في هذا المضمار، فإنما يدل على حدوث هوة وفجوة هائلة في الحالة النفسية للأفراد من مجتمع إلى آخر بين مجتمعات العالم وشعوبه، تماماً مثل الهوة والفجوة القائمتين والمتسعتين باستمرار بين الأغنياء ممن تتزايد ثرواتهم يوماً بعد آخر، والفقراء الذين يتفاقم فقرهم هم كذلك يوماً بعد يوم، وإن كانت الهوة هنا فجوة في الحالة النفسية، أي في الشعور العام والشخصي، كمظهر جديد للامساواة أو كشكل آخر من أشكالها المتنوعة.