يبدو أن أزمة الاحتباس الحراري والتغير المناخي على مستوى العالم، تحتاج إلى جهود أكبر، فالآثار المترتبة على التغير المناخي ستكون أكثر وضوحاً في السنوات المقبلة، وستطال معظم دول العالم، فما شهدته وتشهده دول العالم من حرائق غابات بسبب الجفاف، وارتفاع درجات الحرارة يشكل تحذيراً مبكراً لما ستكون عليه الحال. ويكفي بهذا الخصوص أن نعلم أن عام 2023 كان الأعلى حرارة بما يقارب درجة ونصف درجة، وكل هذا التغير يتحمله بشكل كبير الإنسان، الذي تسبب من خلال الأنشطة التي يقوم بها في إطلاق كميات مهولة من غاز ثاني أوكسيد الكربون. وتتوقع الدراسات أن يكون هذا العام أيضاً أعلى حرارةً من العام الماضي، بما يترتب عن ذلك من نتائج تتجلى في زيادة ذوبان كتل جليدية هائلة في القطب الشمالي الآخذ بالانحسار منذ سنوات، وكذلك ارتفاع درجات حرارة البحر التي قد تتسبب بظواهر كارثية على دول عدة. ويتسبب تغير المناخ في ظواهر تتعلق بعواصف مطرية غير طبيعية، مثل هطول كميات كبيرة من الأمطار، خلال ساعات عدة، ما يترتب عليه حدوث فيضانات غير متوقعة.

وقد شهدنا مؤخراً موجةً من العواصف والتهاطلات المطرية الكبيرة قد تكون مرتبطةً بالتغير المناخي الذي تشهده المنطقة والعالم بشكل متسارع، وحتى تلك العواصف الثلجية التي شهدتها كندا وأميركا أو الثلوج المتأخرة في الشهر الماضي مثلاً في عدة دول.. كل ذلك يعد من آثار التغير المناخي الذي لم تكن بعض الدول تكترث للتحذيرات الدولية حول آثاره على البشر، فكوكب الأرض الذي نعيش عليه يحتاج جهوداً من ساكنيه كي تستمر الحياة بشكل طبيعي بعيداً عن الكوارث التي تصبح أقرب وأكثر كل عام. الأمم المتحدة تحاول جهدَها التحذيرَ وجمع قادة الدول حول اتفاقيات من شأنها الحد من التغير المناخي، وتفعيل أهداف التنمية المستدامة ووضع إطار لاتفاقيات مثل اتفاقية باريس وغيرها، ووضع ميزانيات في سبيل الحد من التلوث وتحقيق الاستدامة، بهدف الحفاظ على الموارد للأجيال القادمة، وتخفيض إطلاق الغازات الدفيئة التي تتسبب في ظواهر كارثية، وهذا الأمر لن ينعكس على الغذاء والمياه فقط، بل قد يؤثر في جودة الهواء الذي نتنفس، بسبب التغيرات المناخية غير المتوقعة.

والأمر الإيجابي هو وجود دول عدة مدركة للخطر المحدق، وتعمل بشكل مكثف بهدف تخفيض آثار الاحتباس الحراري، والحد من التغير المناخي، وقد شهدنا مؤتمر «كوب 28» المنعقد في الإمارات، وغيره من المؤتمرات المنظَّمة في الدولة، والتي استقطبت كبرى بلدان العالم ومئات الشركات العالمية وآلاف الباحثين والعلماء، بهدف وضع صيغ عملية للحد من التغير المناخي. وكان مؤتمر «كوب 28» كان الأهم من نوعه على الإطلاق لتقديمه حلولاً، ولوضعه خريطةَ طريق، ولإصداره 11 تعهداً وإعلاناً أجمعت عليها معظم دول العالم في إطار العمل معاً للحد من آثار تغير المناخ. كما أطلقت الإمارات صندوقاً بقيمة 30 مليار دولار للاستثمار المناخي، وهو يهدف لجمع 250 مليار دولار.

وما هذا إلا جزء من جهود الإمارات التي أخذت منحى تثقيفياً وتعليمياً في هذا الصدد، كما عملتْ وتعمل على خلق بيئة تحقق الاستدامة الشاملة، وهذا بدوره يشكل جزءاً من اقتصاد المستقبل.. فدولة الإمارات سبّاقة في مجال الحد من التغير المناخي، مع وجود وزارة نشطة باسم وزارة التغير المناخي والبيئة، تُعنى بالجهود كافة لتحقيق الاستدامة في الدولة، وبمكافحة التغير المناخي، ومعالجة آثاره. التغير المناخي لم يعد يتعلق بمسائل مستقبلية بعيدة الأمد، بل هو حقيقة وأمر واقع، ويحتاج إلى جهود آنية وتحرك فوري، للحد من الآثار المترتبة عليه، بما فيها العواصف المفاجئة، وارتفاع درجات الحرارة والحرائق والفيضانات.. وغيرها من الظواهر البيئية غير المسبوقة.

*كاتب إماراتي