تتواصل الاحتجاجات الطلابية التي تشهدها الجامعات الأميركية ضد حرب إسرائيل على غزة، حيث اندلعت الاحتجاجات الطلابية المناهضة للحرب في غزة والداعية لوقف إطلاق النار وصولاً لتسوية عادلة للقضية الفلسطينية، وسط محاولات من إدارات الجامعات وهيئات التدريس والشرطة لنزع فتيل التوترات. وانتشرت عشرات الخيام في اعتصامات طلابية مناهضة للحرب في عدد من الجامعات أهمها جامعات هارفارد ونيويورك وييل وكولومبيا وماساتشوستس وإيموري وميشيغان وبراون وهمبولت بوليتكنيك وبيركلي وجنوب كاليفورنيا وتكساس ومينيسوتا.. إلخ. وقامت الشرطة باعتقالات جماعية في عدد من هذه الجامعات في مسعى لوقف المظاهرات والاحتجاجات المنتشرة، فيما وصف بأنه أكبر انتفاضة طلابية تشهدها الجامعات الأميركية منذ حرب فيتنام في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.لقد أدت الاعتصامات المطولة في ساحات الجامعات إلى خلق حوارات ونقاشات بين أصحاب وجهات النظر المتباينة على مدى أشهر حول القضية الفلسطينية إلى سد فجوات ثقافية وتنوير الطلاب بعدالة القضية الفلسطينية، وإلى تغير في البيئات الجامعية بما في ذلك بعض الجامعات العريقة والمحافظة الداعمة تقليدياً لإسرائيل. وتنوعت المطالبات الطلابية من مطالبات للجامعة بإدانة التمييز ضد الفلسطينيين وأفعال «الإبادة الجماعية»، إلى قطع العلاقات مع المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية والشركات الداعمة للجيش الإسرائيلي والدعوة رسمياً لوقف إطلاق النار. كما أعرب الطلاب عن إدانتهم للتحيزات المناهضة للفلسطينيين في التدريس. ولعبت الحركة الطلابية في الستينيات والسبعينيات دوراً بارزاً في مناهضة الحرب في فيتنام، وانتشرت في تلك الفترة المظاهرات الطلابية الرافضة لهذه الحرب والداعية إلى عدم الزج بالجنود الأميركيين فيها.. مما جعل الرأي العام الداخلي ينحاز للقضية الفيتنامية. ونشبت مواجهات بين الشرطة والحركة الطلابية المناهضة للحرب بالتزامن مع المؤتمر العام للحزب الديمقراطي في أغسطس 1968 في شيكاغو، فتصدرت تلك المواجهاتُ نشراتِ الأخبار المحلية والعالمية، ودفعت بالموقف السياسي إلى إقرار الانسحاب الأميركي من فيتنام. ولعل هذا السيناريو مرشح للتكرار حالياً، فالمؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي سيعقد في شيكاغو خلال أغسطس المقبل، حيث سيقر الحزبُ ترشيحَ الرئيس جو بادين لولاية رئاسية ثانية. وتعكس الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب في غزة استفاقةَ الرأي العام الأميركي بالنسبة للقضية الفلسطينية وللانحياز الأميركي تجاه إسرائيل، حيث بدأت وسائل التواصل الاجتماعي لعب دور محوري في نقل الصورة الحقيقية لما يحدث في غزة، وشعر الطلاب بالرعب من هول ما تنقله الصور القادمة من هناك على عكس المرويات التي تنتجها وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية، حيث لم تعد السردية الإسرائيلية مقنعةً لكثير من الأميركيين، خاصةً لتعارضها مع المبادئ والقيم الديمقراطية الأميركية. وهي استفاقة ستكون لها تأثيراتها المستقبلية على التوجهات السياسية المستقبلية تجاه القضية الفلسطينية من قبل الإدارة الأميركية الداعمة لإسرائيل، سواء أكانت إدارة «جمهورية» أم إدارة «ديمقراطية»، وستنعكس تأثيراتُها في رفع غطاء تهمة معاداة السامية التي طالما وُجهت للأكاديميين الرافضين للدعم الأميركي المطلق لإسرائيل والمشككين في شرعية الحجج الإسرائيلية. كما سيكون للوعي الناتج عن هذه الحركة الطلابية أهمية مستقبلية واسعة، حيث ستشكل هذه النخب الطلابية والأكاديمية بذرةَ التغيير في المجتمع بعد أن تتبوأ مراكز المسؤولية وصنع القرار في الحياة العامة، وستنعكس قناعاتها التي تشكلت خلال هذه الأزمة على توجهاتها المستقبلية بما يخدم القضية الفلسطينية، سواء في مواقع المسؤولية السياسية أم في مواقع الصناعة الإعلامية، مما سيصب في النهاية لصالح تعديل المواقف ومراجعة السياسيات والقوانين بصورة تخدم القضية الفلسطينية كقضية عادلة تتواءم مع قيم الحرية والمساواة والديمقراطية التي تأسست عليها الولايات المتحدة الأميركية.