فيما يسلط الضوء على المكانة التي باتت تتمتع بها دولة الإمارات في عالم الذكاء الاصطناعي، أكدت صحف عالمية، من بينها صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، سعي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى تشجيع شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة على البحث عن شراكات جديدة في مجالات الذكاء الاصطناعي ضمنها دولة الإمارات، وبصورة تهدف من خلالها واشنطن إلى إقامة تحالف من شأنه أن يمنحها ميزة استراتيجية على بكين في تطوير حلول هذه التكنولوجيا المغيِّرة للعالم وتفاعلاته. وقد أسفرت جهود الحكومة الأميركية عن إعلان شركة البرمجيات العملاقة «مايكروسوفت» في 16 أبريل 2024، عن استثمارٍ تصل قيمته إلى 1.5 مليار دولار في مجموعة «جي 42»، وهي المجموعة الرائدة للذكاء الاصطناعي في دولة الإمارات، ليعكس هذا الاستثمار ثقة الشركات الأميركية في الإمارات كبيئة داعمة للابتكار والحلول المتقدمة، ويمهِّد الطريق لشراكات أخرى محتملة مستقبلاً مع شركات أميركية رائدة، مثل «غوغل» و«أوبن أيه آي» وغيرهما، وبما يمثِّل بداية تحالف أوسع بين دولة الإمارات والولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي.

وليس من الغريب توجُّه الولايات المتحدة إلى توطيد شراكتها الاستراتيجية مع دولة الإمارات في موضوعات الذكاء الاصطناعي، فقد سعت الإمارات لأن تكون في قلب التطوير العالمي للحلول الذكية منذ أن أعلنت عن أول وزير دولة في العالم للذكاء الاصطناعي عام 2017، وأطلقت في العام نفسه استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي، لتكون بذلك من أوائل الدول التي تمتلك استراتيجية وطنية تختص بتوظيف فرص الذكاء الاصطناعي للارتقاء بمختلف القطاعات الحيوية. وقد توَّج جهود الدولة في هذا السياق، إصدار صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، قانون إنشاء مجلس الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدِّمة في يناير 2024، ليكون مسؤولاً عن تطوير وتنفيذ السياسات والاستراتيجيات المرتبطة بتقنيات واستثمارات وأبحاث الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدِّمة في إمارة أبوظبي، والمجلس مسؤول عن إطلاق شركة «إم جي إكس» في مارس 2024، برئاسة سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم إمارة أبوظبي، مستشار الأمن الوطني، رئيس مجلس الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدِّمة، لتنطلق كشركة استثمار تكنولوجي تهدف إلى تمكين التكنولوجيات الرائدة، بما فيها الذكاء الاصطناعي، وتوظيفها خدمةً لتحسين مختلف مناحي حياة البشر، للأجيال الحالية والمستقبلية. وكان قد سبق إصدار هذا القانون، وتحديداً في نوفمبر 2023، إطلاق سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، شركة الذكاء الاصطناعي «A171»، التابعة لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتطوِّرة، كاستثمار للنجاحات التي حققها معهد الابتكار التكنولوجي في تطوير تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي التوليدي.

ومما يؤكد مكانة دولة الإمارات كمركز عالمي للذكاء الاصطناعي، إعلان الدولة دعمها الكامل للمبادرة التي تقدَّم بها الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، سام آلتمان، خلال القمة العالمية للحكومات الأخيرة التي عُقدت في دبي (12- 14 فبراير 2024)، والتي طرح من خلالها اختيار الإمارات كبيئة عالمية في اختبار الذكاء الاصطناعي وتنظيمه، ولاحقاً قيادة القواعد العالمية التي تحدُّ من مخاطره وتحدِّد استخداماته المقبولة. إن استثمار «مايكروسوفت» في «جي 42» يُظهر التشابك الكبير بين المصالح الاقتصادية والأولويات الاستراتيجية، فقد استغرقت الموافقة على هذا الاستثمار أشهراً من التشاور الوثيق مع أبوظبي وواشنطن، إضافةً إلى محادثات مباشرة بين مسؤولين إماراتيين وأميركيين.

ويشير سعي الولايات المتحدة إلى إقامة تحالفٍ مع دولة الإمارات في موضوعات الذكاء الاصطناعي تحديداً إلى بداية تفكير واشنطن وبصورة استراتيجية بشأن عالمية الذكاء الاصطناعي، كمسارٍ أصبح محوراً مهمّاً في التنافس الدولي، وكتكنولوجيا يمكنها فرض التغيير حتى على تفاعلات الدول فيما بينها، وهو أمرٌ لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إنشاء نظام بيئي عالمي يشمل أهم القوى الصاعدة في موضوعات الذكاء الاصطناعي وعلى رأسها دولة الإمارات.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.