في أواخر مارس الماضي وبعد عامين من الهجمات، عطّلت روسيا نصف إمدادات الطاقة في أوكرانيا. وغني عن البيان أنه حينما تتوقف الطاقة، تتوقف الحياة. إذ تنطفئ الأضواء، وتتوقف معالجة مياه الصرف الصحي، وكذلك المياه النظيفة. كما تتوقف السيارات والحافلات والعربات الكهربائية. وتتوقف المصاعد، فيعلق كبار السن وأصحاب الهمم.

وبالنسبة للكثيرين، تتوقف أيضاً التدفئة المنزلية والتبريد والطبخ وغسل الملابس، إلى جانب أجهزة طبية، مثل مولدات الأكسجين. ورغم تزايد اعتماد العالم على الكهرباء في كل هذه الأغراض وغيرها، إلا أن شبكات الكهرباء ما زالت تمثل أهدافاً عسكرية مشروعة، وفقاً للقانون الدولي وكتاب القواعد العسكرية الأميركي. غير أن هناك مؤشرات صغيرة وواعدة على أن هذا الأمر قد يكون بدأ يتغير. ففي أوائل الشهر الماضي، وقبل الهجمات الروسية الأكثر ضرراً، خلصت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي إلى أن قصف نظام الطاقة في أوكرانيا تجاوز الحدود. كانت هذه خطوة أولى مهمة نحو الاعتراف بمركزية الكهرباء المتزايدة في الحياة العصرية.

غير أنه يتعين على المجتمع الدولي الآن رسم خطوط واضحة للمقاتلين في النزاعات المستقبلية - وتقوية موقف ممثلي الادعاء العام في المستقبل - عبر تقنين حماية محددة لشبكات الكهرباء. والجدير بالذكر هنا أن المجتمع الدولي يحاول القيام بذلك بالنسبة لبنى تحتية معينة، مثل المستشفيات والسدود ومحطات الطاقة النووية، من خلال اتفاقيات جنيف. وقد حان الوقت لإضافة شبكات الطاقة إلى هذه القائمة المميزة. وعلى مدى عقود، كانت الجيوش تستهدف شبكات الكهرباء بشكل روتيني أثناء الحرب. فقد استهدفت ألمانيا شبكة الكهرباء في بريطانيا من المناطيد في الحرب العالمية الأولى، كما استهدفت طائرات «الناتو» محطات الطاقة في صربيا في 1999.

والواقع أن تداعيات هذه الهجمات على المدنيين يمكن أن تكون مدمرة. الحكومات غالباً ما تشير إلى دور الكهرباء في كل شيء بدءاً من الاتصالات السياسية والعسكرية إلى تصنيع الأسلحة. والحال أن القانون الدولي من المفترض أن يحدّ من هذه الأنواع من الهجمات، ذلك أن القوانين المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف تعتبر شبكات الكهرباء «أهدافاً مدنية» يجب حمايتها في الحرب. ولكن عمليا، وبفضل عدد كبير من الاستثناءات، تستطيع الجيوش تبرير أي هجوم تقريبا تفوق فيه المكاسبُ المتوقعة، معاناةَ المدنيين المتوقعة. الجيش الأميركي بدأ في تقليص هجماته على الشبكات الكهربائية منذ أكثر من 20 عاماً. والواقع أنه سيكون من الحكمة أن تحذو الدول الأخرى حذونا وترفض الهجمات على الشبكة الكهربائية؛ لأن من شأن ذلك أن ينقذ الأرواح ويحول دون وقوع دمار لا داعي له، كما أن من شأن ذلك أن يساعد في بناء مجموعة غير مكتوبة (ولكن قابلة للتنفيذ) من القانون الدولي تقيّد الهجمات على شبكة الكهرباء.

بيد أن المجتمع الدولي يستطيع وينبغي له أن يذهب إلى أبعد من ذلك. ويمكن أن يكون سن بروتوكول قوي لحماية شبكات الكهرباء يحد صراحة من تدمير أنظمة الكهرباء منعطفاً حقيقياً، ذلك أن من شأنه أن يزيد من خطر الملاحقة القضائية، مما قد يردع اللاعبين السيئين الذين قد يميلون إلى استهداف محطات توليد الطاقة.  سن بروتوكول قوي لحماية شبكات الكهرباء يحد صراحة من تدمير أنظمة الكهرباء سيصبح منعطفاً حقيقياً، ذلك أن من شأنه أن يزيد من خطر الملاحقة القضائية، مما قد يردع اللاعبين السيئين الذين قد يميلون إلى استهداف محطات توليد الطاقة.

بيتر فيرلي*

 صحفي أميركي*

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»