فيما يعكس جهود الإمارات الحثيثة لتعزيز عملية التطوير المؤسسي، يتواصل عقد الفعاليات المهمة في هذا السياق، إذ نظم «برنامج الإمارات للخدمة الحكومية المتميزة» بوزارة شؤون مجلس الوزراء ورشة عمل في 28 مارس الماضي، ركزت على رصد أبرز إجراءات وأشكال البيروقراطية، وانعكاساتها على قدرة الجهات الحكومية على اتخاذ القرارات السريعة والابتكار والإبداع في العمل، ودورها السلبي في رفع تكلفة التشغيل، وإهدار وقت وجهد المتعاملين، بسبب تأخير زمن أداء الخدمات.
وما ميز هذه الورشة، هو مشاركة العديد من القيادات الحكومية فيها، ومنهم وكلاء وزارات ومديرو عموم، كما شارك ممثلون للقطاع الخاص، وذلك إيماناً بضرورة انفتاح الحكومة على المجتمع، ومشاركة الجميع في حل المشكلات التي تعترض بيئة العمل. وفي هذا الإطار حرص المشاركون على تصميم منهاجية لابتكار وتطبيق حلول ناجزة لتقليص الإجراءات الحكومية.
وعليه تم استعراض التجارب العالمية الملهمة في مواجهة البيروقراطية، وتحليل مخرجات قنوات التغذية العكسية بالإمارات مثل: نظام نبض المتعامل والمتسوق السري، ووسائل التواصل الاجتماعي، وتقييم المشروعات التي أُطلقت فعلياً لاختصار الإجراءات وزيادة كفاءة الأداء. وأبرزها مشروعا «التصديق الرقمي الشامل» بوزارة الخارجية، و«باقة العمل» بوزارة الموارد البشرية والتوطين.
وقد جاء انعقاد هذه الورشة تفعيلاً لاستراتيجية دولة الإمارات لـ«تصفير البيروقراطية»، التي أطلقتها الحكومة في 8 نوفمبر 2023، والتي أوصت بتطبيقها فورياً، وذلك بالعمل على إلغاء 2000 إجراء حكومي، وخفض المدد الزمنية للإجراءات بنسبة 50%، والتخلص من جميع الاشتراطات والمتطلبات المكررة وغير الضرورية خلال عام، مع تقييم نتائج العمل، والاحتفاء بأفضل الإنجازات بنهاية عام 2024.
وتتسق هذه الاستراتيجية مع رؤية القيادة الرشيدة لدولة الإمارات، ممثلة في صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، لترسيخ تجربة مستقبلية ريادية في العمل الحكومي، تُسهم في تحقيق نقلة استثنائية نوعية فيما يتعلق بتسهيل حياة الناس، وتعزيز بيئة محفزة على جذب العقول والمواهب المبدعة، من دون تمييز بين المواطنين والمقيمين بالدولة، وتشجيع نمو الشركات لممارسة الأعمال بالدولة على مدار الساعة.
ومما لا شك فيه أن استراتيجية «تصفير البيروقراطية» تمثل آلية داعمة لجهود التحول نحو ترسيخ مفهوم الحكومة الذكية، التي تم إطلاقها عام 2013، وتحقيق محاور ومستهدفات رؤية «نحن الإمارات 2031»، بأن تكون الدولة المركز العالمي للاقتصاد الجديد بحلول العقد المقبل. كما تُسهم في تحقيق الهدف الأسمى لمئوية الإمارات 2071، بأن تصبح الدولة رقم واحد عالمياً.
إن «تصفير البيروقراطية» أضحى ضرورة عملية لتعزيز موقع دولة الإمارات كنموذج يحتذى في ريادة الأعمال، خاصة بعدما حلت مؤخراً في المرتبة الأولى عالمياً، للعام الثالث على التوالي، في تقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال للعام 2023/2022، الذي يُعدُّ مرجعية أساسية لدى الدول والمنظمات الدولية كالبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية، والمنظمات التابعة للأمم المتحدة. فوفقاً لهذا التقرير، سجلت دولة الإمارات معدل 7.7، وهو رقم قياسي، يتم تسجيله للمرة الأولى منذ إطلاق التقرير، متفوقة على العديد من الاقتصادات المتقدمة.
ولا شك أن توجه دولة الإمارات، خلال السنوات الماضية، للتخلص من قيود البيروقراطية كان له عظيم الأثر في وصولها إلى تلك المرتبة المتقدمة، إذ حصلت الدولة على المركز الأول عالمياً في 12 مؤشراً من أصل 13 شملها التقرير، يتعلق أغلبها بطريقة الإدارة الحكومية. ومن أبرزها سهولة الوصول إلى التمويل، وسهولة دخول الأسواق، والأنظمة والتشريعات المرنة، والبرامج الحكومية الريادية، والسياسات والبرامج الحكومية الداعمة، والسياسة الحكومية المرتبطة بالضرائب والبيروقراطية.
إن تصنيف الإمارات كأفضل مكان لبدء وممارسة الأعمال التجارية الجديدة على مستوى العالم يستلزم تعزيز الجهود نحو «تصفير البيروقراطية»، للحفاظ على القمة التي وصلت إليها الإمارات، ومواصلة الصعود نحو قمم جديدة.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية