في هذا الأسبوع، في العاصمة البلجيكية بروكسل، التي تتسم عادة بالهدوء، أصبحت الاحتجاجات التي قام بها المزارعون في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي المكون من 27 دولة أقرب بكثير إلى تمرد المزارعين، الذين قاموا بحرق الإطارات ورش المبيدات على الشرطة.
وفي قلب هذا التحدي يكمن تحد سياسي ينطوي على عواقب دولية أوسع كثيراً: كيف يمكن للحكومات وقف الارتفاع السريع في درجة حرارة كوكبنا، وبناء اقتصادات أكثر استدامة بيئياً، على نحو مستدام سياسياً أيضاً؟
وفي حين أن مظالم المزارعين تتباين من بلد إلى آخر، إلا أن احتجاجاتهم لاقت ترحيباً شديداً من قِبَل الأحزاب الشعبوية اليمينية. ويستهدف الطرفان «الصفقة الخضراء» الطموحة للاتحاد الأوروبي، والتي تهدف إلى جعل أوروبا أول قارة محايدة للمناخ في العالم بحلول عام 2050.
ومع توقعات بأن تحقق الجماعات اليمينية المتطرفة مكاسب كبيرة في انتخابات يونيو للبرلمان الأوروبي (التي تجري كل خمس سنوات)، فقد استجاب زعماء الاتحاد الأوروبي للاحتجاجات من خلال التراجع السريع عن مجموعة من التدابير المناخية التي تؤثر على الزراعة. فقد أوقفت كل من فرنسا وألمانيا السياسات التي من شأنها أن تزيد الأسعار التي يدفعها المزارعون مقابل وقود الديزل. وتراجعت اللجنة التنفيذية للاتحاد الأوروبي عن قيود الصفقة الخضراء بشأن استخدام الأسمدة غير العضوية، وبعض المبيدات الحشرية.
ولا يزال زعماء الاتحاد الأوروبي يقولون إنهم عازمون على إيجاد ترتيبات طويلة الأجل تعالج مخاوف المزارعين، مع الحفاظ على التزامهم بأجندتهم الاقتصادية الخضراء. ويترقب العالم هل وكيف سينجحون في تحقيق هذا.
إن الاتحاد الأوروبي لديه سبب رئيس واحد للشعور بالثقة. إذ تُظهِر استطلاعات الرأي أن أغلب المواطنين الأوروبيين يصنفون تغير المناخ على أنه مشكلة خطيرة، ويقول 88% منهم إنهم يؤيدون هدف الاتحاد الأوروبي المتمثل في تحييد الكربون بحلول عام 2050.
ويشعر العديد من المزارعين أنفسهم بالقلق من آثار ظاهرة الاحتباس الحراري. على سبيل المثال، كان على رأس قائمة شكاوى المتظاهرين في اليونان، الافتقار إلى التعويضات الكافية، وفي الوقت المناسب عن حرائق الغابات المدمرة والفيضانات التي حدثت العام الماضي هناك.
ولكن إذا كانت دول الاتحاد الأوروبي قادرة على تحقيق أهدافها، فإنها لا تستطيع تجنب ذلك النوع من التدابير التي سارع زعماؤها الآن إلى تأجيلها: التخفيضات في استخدام الوقود الكربوني، مثل الديزل، وفي انبعاث ملوثات الهيدروجين والميثان من الأسمدة ومزارع الألبان.
تمثل الزراعة نحو 1.5% فقط من اقتصاد الاتحاد الأوروبي، لكنها تمثل 10% من انبعاثات الكتلة من غازات الدفيئة التي تغذي الاحتباس الحراري العالمي.
وفي حين أن التحول إلى زراعة أكثر استدامة من المرجح أن يتطلب أموالاً حكومية، فإن الحصول على هذه الأموال قد يكون الجزء الأسهل. سيكون أحد الأسئلة الرئيسة هو أين يتم إنفاق هذه الأموال؟.
يحصل المزارعون الأوروبيون بالفعل على إعانات مالية ضخمة من الاتحاد الأوروبي، تصل إلى ما يقرب من ثلث الميزانية المركزية للكتلة، لكن معظم هذا المبلغ يذهب إلى حد بعيد إلى عدد صغير نسبياً من الشركات الزراعية الكبرى. ويشعر صغار المزارعين بأنهم مضغوطون اقتصادياً.
كان هذا صحيحاً بشكل خاص في السنوات القليلة الماضية، عندما تسببت الحرب في أوكرانيا في ارتفاع أسعار الوقود والأسمدة، بينما اضطرت الأسر الزراعية أيضاً إلى التعامل مع الزيادة العامة في أسعار المستهلك.
وقد شهد المزارعون في بولندا، بشكل خاص، وأيضاً منتجو القمح الآخرون في أوروبا انخفاضاً في أرباحهم نتيجة لقرار الاتحاد الأوروبي السماح بمبيعات الحبوب الأوكرانية من دون رسوم جمركية. ويساعد ذلك في تفسير دعوة العديد من المتظاهرين لبروكسل للتخلي عن اتفاقية التجارة الحرة الجديدة المحتملة مع المزارعين في أميركا الجنوبية، والتي يُنظر إليها على أنها من المرجح أن تؤدي إلى انخفاض أسعار محاصيلهم.
ولكن هناك تحدياً أكثر صعوبة، والذي لا يشكل المال سوى جزء واحد منه، وهو التحدي الذي جعل الرسالة السياسية لمنتقدي الصفقة الخضراء الشعبوية مغرية للغاية.
إنها الحاجة إلى معالجة الشعور بالتفكك الذي يشعر به المزارعون الذين يُجبرون على تغيير الطريقة التي يعملون بها، ويعيشون بها لتسهيل التحول المناخي الذي يروج له السياسيون الحضريون الذين هم أقل تأثراً بكثير وأكثر قدرة على التكيف بسبب أوضاعهم المالية.
وكان هذا حافزاً مهماً بشكل خاص لنشوب احتجاجات المزارعين في ألمانيا.
وبعد أن هزتهم الاحتجاجات، ودفعتهم إلى إعادة تقييم نهجهم، يتعين على الزعماء الأوروبيين أن يعترفوا بهذا المزاج. ويتمثل أحد الخيارات الواضحة قيد المناقشة في تركيز جهود خفض الانبعاثات على المؤسسات الزراعية الأكثر قدرة على التعامل مع هذه المرحلة الانتقالية، في حين يمنح المزيد من المرونة والدعم المباشر لصغار المزارعين.
لكن الاتحاد الأوروبي سيدرك تماماً الآن الحاجة لأن يتوخى الحذر عند إدارة التغييرات المطلوبة في قطاعات أخرى من اقتصاده إذا كان يريد إنجاح الصفقة الخضراء، من مناجم الفحم في بولندا إلى شركات صناعة السيارات في إيطاليا.
وبينما يشجع خبراء تغير المناخ الاتحاد الأوروبي على النجاح، فإنهم يشعرون بالقلق إزاء التراجع السريع لقادته في مواجهة احتجاجات المزارعين. فهم يشعرون بالقلق من أن هذا يفوح منه رائحة الذعر السياسي، وأنه سيشجع معارضي العمل المناخي على محاولة عرقلة، أو على الأقل تقليص الجوانب الرئيسة الأخرى للصفقة الخضراء.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»