تجسد صيدلية «كاندي دراج & جيفتس» Canby Drug & Gifts، وهي صيدلية في ريف ولاية مينيسوتا، مفارقة لافتةً للنظر، ذلك أنها من ناحية أدائها جيدة، لكنها دائماً على وشك الإغلاق. وتعد هذه الصيدلية، التي يمتلكها «مارك ويتير»، واحدة من بين عدة صيدليات في مقاطعتها التي تضم أكثر من 9000 شخص، والتي تجسد الصعوبات التي تواجهها العديد من الصيدليات الخاصة. فالمتجر هو بمثابة شريان الحياة للعملاء، ومعظمهم إما مشتركون في برنامج التأمين الصحي للفقراء «ميديسيد» أو برنامج التأمين الصحي التابع للولاية. ومع ذلك، أصبح تحقيق الربحية الآن شبه مستحيل بسبب الطريقة المنافية للعقل التي تُوزع بها الولايات المتحدة الأدويةَ الصيدلانية. ومن دون إصلاحات جادة، يمكن أن تختفي كيانات تجارية مثل صيدلية ويتير.
إن القواعد تتغير بالنسبة لتجارة الأدوية بالتجزئة، والكثير من الصيدليات ينهار. وقد انخفض العدد الإجمالي للصيدليات منذ عام 2015، لكن هذا الاتجاه كان واضحاً بشكل خاص في المناطق الريفية التي فقدت حوالي 10% من صيدلياتها خلال عقدين من الزمن.
وثمة الكثير من الأسباب وراء ذلك: كما هو الحال بالنسبة للعديد من الشركات الأخرى، حيث انخفضت إيرادات الصيدليات خلال الوباء. كما أن نقص العمالة، خاصة بين الصيادلة الذين يسعون للحصول على أجور وظروف عمل أفضل، يزيد من الصعوبات في هذا المجال. وفي الوقت نفسه، فقد أصبح تجار التجزئة عبر الإنترنت يمثلون منافساً قوياً، كما دمرت التسويات الكبيرة للمواد الأفيونية العديدَ من السلاسل.
لكن توزيع الأدوية في الولايات المتحدة تعزز أيضاً إلى حد كبير، مما منح قوةً هائلة لعدد قليل من اللاعبين الكبار الذين شوهوا الصناعة سعياً وراء الربح. يعمل عدد صغير من مديري شركات الوساطة الصيدلية الكبرى، مثل «إكسبريس سكريبتس» (Express Scripts) و«سي في إس كيرمارك» (CVS Caremark) و«أوبتام آر إكس» (Optum Rx)، كوسطاء بين الصيدليات وشركات التأمين التي تدفع ثمن الأدوية الموصوفة. لكن كل شركة من شركات الوساطة الصيدلية تدير في الوقت ذاته شبكةً من الصيدليات وتبذل قصارى جهدها لتوجيه العملاء إلى متاجر البيع بالتجزئة التابعة لها. وغالباً ما تكون نفس الشركات التي تقرر المكان الذي يجب على الأميركيين شراء أدويتهم منه، هي التي تدير تلك الصيدليات.
وقد أدت هذه الهيمنة على السوق إلى إبعاد هذا النوع من التجارة عن المتاجر المستقلة. والأسوأ من ذلك أن شركات إدارة الصيدليات مشهورة بوضع رسوم سداد منخفضة، مما يصعب على الصيدليات تحقيق التعادل. كما تفرض العديد من شركات إدارة الأدوية عقوداً على الصيدليات الخاصة تتضمن مطالبَ غير واقعية بشأن كيفية توزيع الأدوية وكيفية اتباع عملائها للأنظمة. وعندما تعجز الصيدليات عن تلبية احتياجاتها، فإنها تُفرض عليها رسوم باهظة.
وقد عملتْ هذه القوى مجتمعةً على توسيع رقعة المناطق الخالية من الصيدليات في أميركا، إذ هناك مناطق كثيرة من البلاد لا تستطيع الوصول بسهولة إلى المتاجر، ومن المتوقع أن يتفاقم هذا الوضع سوءاً. وتخطط صيدليات «سي في إس» و«وولجرين» لمواصلة التخلص من مواقع البيع بالتجزئة في السنوات القادمة. وقد أدى إفلاس صيدلية «ريتا إيد» Rite Aid الشهر الماضي إلى تراكم أكثر من 150 عملية إغلاق أخرى.
وقد تكون لذلك آثارٌ خطيرةٌ على صحة الأميركيين، وخاصة من أبناء الأقليات. إن القيادة لمسافات طويلة والرحلات الشاقة في وسائل النقل العام تجعل من الصعب على المرضى البقاء على المسار الصحيح لتناول أدويتهم. لا ينبغي أن يضطر الناس إلى قضاء ساعة في السيارة أو الحافلة لمجرد الحصول على الأنسولين لعلاج مرض السكري.
يمكن أن تساعد خدمات الطلب عبر البريد في معالجة المشكلة، لكنها لا تحلها. تعتبر متاجر البيع بالتجزئة ضرورية للحصول على التطعيمات، على سبيل المثال. والأدوية التي تصل عبر البريد تأتي دون توجيه مباشر من الصيادلة حول كيفية تناولها. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن شحن جميع الأدوية، إذ يجب تبريد بعضها، أو عدم تعريضه للاهتزاز.
الحل الأنيق لهذه المشاكل هو جعل الصيدليات التي تخدم المرضى ذوي الدخل المنخفض أكثر ربحيةً. وهذا يتطلب تدخلاً من الحكومة.
إحدى الطرق الممكنة لتحقيق ذلك: رفع معدلات سداد الأدوية التي يغطيها برنامج «ميديسيد» أو نظام الرعاية الصحية الأميركي «ميديكير». تدفع البرامج الحكومية عادةً أقل مما تدفعه شركات التأمين الخاصة. وهذا يوفر أموال دافعي الضرائب، لكنه يعني أن المجتمعات الفقيرة، التي تعاني بالفعل ارتفاع معدلات المشكلات الصحية، أقل ربحية بالنسبة للصيدليات. وهذا يجعل المناطق ذات الدخل المنخفض أماكن أقل جاذبية لفتح الصيدليات، بغض النظر عن مستوى الطلب.
ويمكن للولايات أن تغير هيكل الحوافز وتدفع المزيدَ مقابل شراء الأدوية من خلال برامج المساعدة الخاصة بها. وهذا من شأنه أن يكلف الحكومات المزيدَ من المال، لكنه سيساعد في استقرار الصيدليات المستقلة ويعطي للسلاسل سبباً للبقاء في الأماكن التي تشتد الحاجة إليها.
وينبغي للولايات أيضاً أن تواجه تدابير بناء الثقة. لقد ابتكر هؤلاء الوسطاء طريقةً ملتويةً للاستفادة من نظام الأدوية توزيع على حساب الصيدليات. وتتفاوض الشركات الوسيطة بين الصيدليات وشركات التأمين على تخفيضات مع شركات تصنيع الأدوية نيابة عن الدافعين، وهم إما شركات التأمين أو أفرع برنامج ميديسيد الحكومي. لكن المبالغ التي يتقاضونها من الدافعين غالباً ما تكون أعلى بكثير مما يسددونه للصيدليات. ثم بعد ذلك تقوم الشركات الوسيطة بوضع الفارق، أو على الأقل جزء منه.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سيندكيشن»