تشهد حركة النقل الجوي في دول مجلس التعاون الخليجي نقلةً نوعية أخرى بعد طفرة التسعينيات التي نقلت صناعةَ النقل الجوي الخليجية إلى آفاق عالمية لم تعهدها من قبل، حيث تتفاوت التقييمات حول مستقبل حركة النقل الجوي في المنطقة والمنافسة القادمة بين شركات الطيران، وستكون لنا وقفة حول هذه المواضيع انطلاقاً من التجربة السابقة ومن العوامل التجارية ذات الصلة. 
عندما انطلقت «طيران الإمارات» في عام 1985، إلى جانب «طيران الخليج» و«السعودية» و«الكويتية»، تخوَّف البعضُ من المنافسة. ومع انطلاق «الاتحاد» و«القطرية» و«العربية» و«العمانية» فيما بعد تكررت تلك المخاوف. إلا أن التطورات أثبتت العكس تماماً، حيث أدى هذا التوجه الذي انطلق من دبي إلى تحول منطقة الخليج العربي إلى أهم رابط لوجستي للركاب والشحن الجوي، مستفيدةً من الموقع الجغرافي المميز لدول المجلس، إذ لا يمكن الآن تَصور حركة النقل الجوي في المنطقة بدون هذه الشركات. 
وقد درَّ ذلك مليارات الدولارات سنوياً ووفّر عشرات آلاف الوظائف وساهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي، مما أثار حفيظةَ شركات الطيران الأجنبية التي تفاجأت بحجم الإنجاز الخليجي ووجهتْ اتهاماتٍ حول «الدعم الحكومي»! ليتضح بعد ذلك أن هذه الشركات تعمل وفق النظم المحاسبية المدقَّقة من شركات التدقيق الكبرى في العالم. 
والحقيقة أنه كان هناك دعم حكومي في البداية، وهي مسألة طبيعية جداً، فمعظم دول العالم المتطورة والناشئة قدَّمت وما زالت تقدم مثلَ هذا الدعم لبعض قطاعاتها الاقتصادية، كالدعم الذي تقدمه ألمانيا والعديد من الدول الأوروبية لتطوير مصادر الطاقة المتجددة، وكذلك الدعم الذي تقدمه كوريا الجنوبية لصناعة الرقائق الإلكترونية بهدف تطويرها لأهداف استراتيجية وتجارية عبر ضخ استثمارات مدعومة بمبلغ كبير بلغ 230 مليار دولار. 
ومع انطلاق معرض دبي للطيران في دورته الـ18 مؤخراً، والذي حقق نتائجَ كبيرةً، برزت مرة أخرى مسألة المنافسة بعد الإعلان عن تأسيس شركات طيران جديدة بقدرات كبيرة، مثل طيران الرياض والذي يتوقع أن يضيف الكثيرَ لحركة النقل الجوي في المنطقة. وقد جاء التعليق الحصيف من سمو الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم الرئيس الأعلى لطيران الإمارات، حيث قال «إن المنطقة مثلها مثل مناطق أخرى قادرة على استيعاب العديد من الناقلات الجوية الكبيرة، مما يعزز المنافسة والقدرة على النمو والنجاح»، مؤكداً الثقةَ من خلال توقيع اتفاقيات لشراء 108 طائرات جديدة لصالح «طيران الإمارات» و«فلاي دبي» بقيمة 253 مليار درهم (69 مليار دولار)، حيث يساهم قطاع الطيران بنسبة كبيرة في اقتصاد دبي تصل 27% ويتوقع أن ترتفع إلى 45% عام 2030، مما يعكس الأهمية التي يحتلها هذا القطاع في الاقتصادات الخليجية. 
ومع الأخذ بعين الاعتبار حساسيةَ قطاع النقل الجوي إزاء التطورات المفاجئة، مثل الحروب والأوبئة، فإن الشركات الخليجية تمكنت خلال السنوات الماضية من بناء أساسات مالية قوية تمكنها من التعامل بمرونة مع هذه التطورات، كما حدث أثناء جائحة كورونا، إذ لا يمكن هنا أيضا استبعاد الدعم الحكومي الذي حصلت عليه معظم شركات الطيران في العالم. 
ونتيجة لذلك، فستتعزز الثقةُ مع دخول شركات جديدة، إذ من جهة تحولت دولُ المجلس إلى نقطة ارتكاز عالمية في مجال النقل الجوي، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع كبير في أعداد المسافرين بين الشرق والغرب، وهذا يتطلب وجود شركات يمكنها استيعاب هذه الزيادة. كما أن هناك تزايداً لأعداد السكان في المنطقة، بما فيها دول المجلس، مما سيزيد حجمَ الطلب. وذلك إضافةً إلى الارتفاع الكبير في الشحن الجوي والذي يتطلب بدوره الاستعدادَ له نتيجة لحركة العبور والنمو المتوقع للاقتصادات الخليجية. فـ«الاتحاد الدولي للنقل الجوي» (أياتا) يشير إلى وصول عدد المسافرين حول العالم في العام الحالي إلى 4.3 مليار مسافر، كما يَتوقع أن تشهد سوق المسافرين في منطقة الشرق الأوسط نمواً بمعدل 5% تقريباً بنحو 237 مليون مسافر سنوياً حتى عام 2034، حيث سيكون للشركات الخليجية القائمة والجديدة النسبة الأكبر من هذا النمو. 

*خبير ومستشار اقتصادي