عُقِدَت، يوم السبت الماضي بالرياض، قمة عربية إسلامية طارئة برئاسة السعودية، وكانت الفكرة الأصلية أن تُعقد قمتان عربية وإسلامية متتاليتان للنظر في بلورة موقف عربي وإسلامي مشترك من الأحداث الجارية، غير أنه رُئي لتقديرات أحسبها صحيحةً أن تُدمج القمتان في قمة واحدة، طالما أن الهدف واحد والمواقف متقاربة. واعتبر البعض أن القمة تأخرت عن موعدها المناسب، إذ عُقِدَت بعد مرور أكثر من شهر على اشتعال القتال، وفي حالات مشابهة عُقدت القمة على نحو فوري، كما في قمة 1970التي دعا إليها عبد الناصر عندما تفجر الموقف بين السلطات الأردنية والمقاومة الفلسطينية، فعُقِدَت في اليوم التالي مباشرة لدعوته. وأغلب الظن أن الاختلاف حول تكييف ما جرى وحول طرق مواجهته كان السبب في التأخير، حيث لا يمكن عقد القمة كي تكون ساحة لخلافات تفضي إلى الإضرار بالقضية التي انعقدت من أجلها. ورغم تنوع كلمات قادة الدول المشاركة أو ممثليهم، فإنه يمكن القول بوجود قواسم مشتركة لعل بيان القمة الختامي كان تعبيراً أميناً عنها، ويُظْهِر إمعان النظر في البيان ثلاث ملاحظات مهمة.
أما الملاحظة الأولى، فهي أن البيان قد انطوى على رؤية سليمة للمواقف الواجب اتخاذها تجاه ما يجري من أحداث دامية، وعلى رأسها ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية، ورفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم باعتبار أن ذلك يساوي من الناحية العملية تصفيةً القضية الفلسطينية، والأهم من ذلك أن الأمن والاستقرار لا يمكن أن يسودا المنطقةَ إلا بإيجاد حلول سياسية وليست أمنية للقضية الفلسطينية، وأن هذه الحلول يجب أن تكون شاملةً لغزة والضفة معاً، وبالتالي فالقمة أسقطت فكرةَ إيجاد صيغة لحكم غزة وحدها بعد انتهاء العمليات العسكرية بعيداً عن أي أفق سياسي، غير أن هذه المواقف السليمة تفتقر إلى آليات فاعلة، وهذا ينقلنا للملاحظة الثانية.
وتتعلق الملاحظة الثانية بغياب الآليات الضامنة لوضع مقررات القمة موضع التنفيذ، وعلى سبيل المثال فإنه عندما تطالب القمة مجلس الأمن باتخاذ قرار لوقف إطلاق النار، يعلم الجميع أن الاستقطاب بين الأعضاء الغربيين الدائمين في مجلس الأمن من ناحية وروسيا والصين من ناحية أخرى، سوف يمنع صدور أي قرار يعترض عليه أي من الأطراف. وبالتالي تبقى مطالبة مجلس الأمن بإصدار قرار كهذا مجرد كلام نظري. وكذلك فإن مطالبة الدول بوقف تصدير الأسلحة لإسرائيل تبدو بعيدة عن إمكانية التطبيق، أولاً لأن الولايات المتحدة هي المصْدر الأساسي لتسليح إسرائيل، ولا يمكن أن تستجيب لهذا الطلب، والأمر نفسه ينطبق على كبريات الدول الأوربية بسبب مواقفها السياسية المعلومة للجميع. وتنطبق الملاحظة نفسها على القرارات الخاصة بكسر حصار غزة و«فرض» إدخال قوافل مساعدات إنسانية، فليس واضحاً مَن يمكنه فرض ذلك. غير أن قرارات القمة تضمنت آليات عملية في موضوعات أخرى، وهذا ينقلنا للملاحظة الأخيرة.
لقد تضمن بيان القمة قراراتٍ عمليةً تتعلق بالملاحقة الجنائية لإسرائيل، وتأسيس مرصد إعلامي للأحداث، وتكوين لجنة متابعة من وزراء خارجية سبع دول، وهي لجنة مفتوحة لانضمام مَن يريد، فضلاً عن تكليف الأمينين العامين للمنظمتين بمتابعة القرارات، وهو ما يفتح الباب للأمل في إضفاء طابع عملي على القرارات ذاتها.


*أستاذ العلوم السياسية - جامعة القاهرة