على بعد أسابيع قليلة من انطلاق أعمال قمة المناخ العالمي «كوب 28»، يبدو الشرق الأوسط منشغلاً إلى أبعد حد ومد في أزمة غزة وتوابعها، غير أن هناك دوائر عالمية لها وزنها الروحي والشعبوي حول العالم، لا تزال تعطي اهتماماً كبيراً للقمة القادمة، وتدفع في طريق نجاحاتها، بهدف استنقاذ الكرة الأرضية من وهدة الدمار المحقق الذي يحلق فوق سماواتها في الآونة الأخيرة. هنا، وربما من حسن طالع البشرية، يوجد بابا روماني، وجه تركيزه وفكره منذ سنوات حبريته الأولى نحو البيئة ومناخ الأرض، ولهذا أصدر أولى رسائله الرعوية والتي جاءت تحت عنوان «كن مسبحاً».

كن مسبحاً، لم تكن سوى سردية لما يعرف بحتمية الارتداد الإيكولوجي، أي العودة عن المسارات الأنانية لبشرية أهلكت الزرع والضرع، وقد جاء صدورها عام 2015. في الرابع من أكتوبر الجاري، أصدر فرنسيس الجزء الثاني الرسالة عينها، والذي جاء تحت عنوان «سبحوا الله».

يرفع فرنسيس صوته عالياً منذراً ومحذراً من أن علامات تغير المناخ موجودة، وتزداد وضوحاً يوما بعد يوم، وأنه لا يمكن لأحد أن يتجاهل أننا شهدنا في السنوات الأخيرة أحداثاً مخيفة، تمثلت في فترات حرارة متكررة تسببت في الجفاف وجعلت الأرض تئن مثل أي كائن حي. لا تحمل رسالة فرنسيس تنظيراً إيديولوجياً أو ثيؤلوجياً، بل حقائق علمية تقطع بأن البشر هم الذين تسببوا في إفساد مناخ الكوكب، وعليهم إصلاح ما أفسدوا. تخبرنا الرسالة البابوية الأحدث «سبحوا الله»، أنه لم يعد من الممكن الشك في الأصل البشري «الإنساني» في تغير المناخ....

ولذلك تأتي حاضرة الفاتيكان اليوم في مقدمة الدول والمؤسسات الداعمة لمؤتمر المناخ العالمي«كوب 28»، وهو الأمر الذي تأكد من خلال زيارة معالي الدكتور سلطان الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، رئيس مؤتمر الأطراف «كوب 28»، إلى الكرسي الرسولي الأيام القليلة الفائتة وتوجيهه الدعوة للحبر الأعظم للمشاركة في أعمال القمة.

رؤية القيادة الإماراتية لمؤتمر هذا العام، تحرص على ضمان احتواء الجميع وحشد جهود كافة الأطراف والمعنيين وجميع شرائح المجتمعات بمن فيهم ممثلو الأديان، لتكريس التوافق والتكاتف المطلوب من أجل الوصول إلى أعلى الطموحات المناخية العالمية، بالتزامن مع تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.

الجميل والخلاق في العلاقة بين الفاتيكان ودولة الإمارات العربية المتحدة، هو شكل التعاون الإنساني والوجداني، الساعي لخير البشرية من خلال الدعوة لمعالجة أمراض الأرض المناخية. في هذا الصدد حمل اللقاء بين فرنسيس والجابر، سبل إدماج مفاهيم رسالة «سبحوا الله»، ضمن إعلان «كوب 28»، بشأن الأديان المخطط التوقيع عليه عقب القمة العالمية لقادة الأديان. تهدف رئاسة «كوب 28»، إلى تعزيز مشاركة وإسهام القيادات الدينية ودعوتهم للعمل لمواجهة التداعيات المناخية خلال القمة العالمية لقادة الأديان التي ستعقد الشهر القادم في أبوظبي.

ذكاء الدبلوماسية الإماراتية، يتبدى في فهم أن دعوة بابا الفاتيكان للعمل والإنجاز في حقل الطبيعة والبيئة والمناخ، أمر سيلهم الملايين ويسهم في رفع سقف الطموح لتلبية الحاجة الملحة إلى العودة للمسار الصحيح في العمل المناخي. ولعله من الملامح المميزة للغاية في «كوب 28»، تضافر جهود المؤسسات المدنية والدينية، إذ تتعاون رئاسة القمة مع حاضرة الفاتيكان و«مجلس حكماء المسلمين»، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة بهدف ضمان احتواء الجميع في منظومة عمل مؤتمرات الأطراف من خلال إدماج المنظمات الدينية في المناقشات المناخية.

يتوقع الجميع من القائمين على قمة المناخ في الإمارات أن تكون نقطة مفصلية في تاريخ المؤتمرات المعنية بمواجهة التغيرات المناخية للأفضل، وينتظر منها الجميع بياناً ختامياً يغير الأوضاع ويبدل الطباع قبل أن يضحى «الراحل كوكب الأرض».

*كاتب مصري