لم يدهشني تصرف العالمة الفرنسية «آن لولييه» عندما بلغها نبأ فوزها بجائزة نوبل في الفيزياء لعام 2023 أثناء تقديمها محاضرة لطلبتها في جامعة لوند بالسويد. العالمة تابعت المحاضرة وكأن شيئاً لم يحدث احتراماً لطلبتها وللجامعة ولدورها كمدرّسة وللعلم كقيمة عظيمة. وهنا العبرة والحكمة، فما قيمة العلم في مجتمعات لا تقدّره، وما قيمة العلماء بين الجهلة! لكن في المقابل، العلماء أنفسهم لا يتوقفوا عن تقديم المعرفة حتى وإن لم يرهم أو يستمع إليهم أحد.
من الصعب إجراء المقارنات بين المجتمعات نظراً لاختلاف تاريخها وتجاربها، ولكن ليس من الصعب أبداً توصيف المشهد. في الماضي، كانت قيمة التعليم أكبر مما نرى عليه الأمر اليوم، أو هكذا نرى نحن الذين يصنفنا أبناؤنا بأننا من الجيل القديم، لكنهم لا يعلمون أن جيلنا والأجيال التي سبقتنا كلنا نشأنا على احترام العلم والمعلمين والمتعلمين، وما يزال الآباء والأمهات ممن ينتمون لجيلي يولون العلم أهمية قصوى نظراً لما يمنح الإنسان من قيمة في مجتمعه، وبالتالي كل معلم ومعلمة يجب أن يمنحوا الاحترام الذي يستحقون.
ولست أبالغ حينما أقول إن تلك الفئة – أي المعلمين والمعلمات - يستحقون التقدير والتكريم كل يوم، نظراً لما يقدموه لأحفادنا، وحتى لأبنائنا الذين ما يزالون على مقاعد الدراسة.
قبل أيام استقبل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، وفداً من المعلمين بمناسبة يوم المعلم العالمي والذي يصادف يوم الخامس من أكتوبر. هذا الاستقبال يعكس تقدير إسهامهم في عملية بناء المجتمع، وهو ما عبر عنه سموه بقوله (إن استثمار دولة الإمارات في التعليم مصدر رئيس لنجاحاتها في مختلف المجالات. فالمعلم هو الركيزة الأساسية في هذه المهمة الوطنية، وعليه مسؤولية كبيرة مع الأسرة في تنشئة الأجيال على القيم والأخلاق القويمة) خصوصاً وأن دور المعلم هو جوهر العملية التعليمية، وبالتالي أثره في تنشئة الأجيال كبير كونه حجر زاوية أساسياً في بناء لا يمكن أن يكتمل من دونه ومن دون وجود منظومة تعليمية متينة ومستدامة. وأنا على يقين أنه حتى وإنْ لم يكن للمعلم يوماً للاحتفاء به، لاجتمع العالم من أجل إيجاد ذلك اليوم، فالمعلم الحق قابض على الجمر بالتأكيد، وهو من لا يقايض دوره المهم والمؤثر بكل مباهج الدنيا، لأن متعته هي في استمرار عطائه.
إن هذا التكريم برأيي لا ينفصل عن رعاية سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، للملتقى السادس لكبار المواطنين والمقيمين الذي نظمته مؤسسة التنمية الأسرية. فالقيمتان متكاملتان في بلدنا، أي قيمة المعلم وقيمة كبار السن، وهما تجعلان الصورة أكثر وضوحاً، وتؤكد أن الإمارات مستمرة على نهجها في الاعتزاز بالجذور والهوية والقيم المجتمعية الأصيلة، وبأن تكون إحدى عينيها على الماضي بما يحمل من أمور حميدة والعين الأخرى ترقب المستقبل. فالإمارات كانت ولا تزال تولي كبار السن كل تقدير واحترام وهم الذين أسهموا في بناء المجتمع والدولة، ولهذا من حقهم أن يجنوا ثمار ما زرعوه. ثم إن عنوان الملتقى يدل على أن الاهتمام ليس بمواطني الإمارات فقط، بل بالمقيمين أيضاً الذين نعرف أنهم لم يكونوا خارج دائرة العمل في الإمارات، بل صبوا خبراتهم فيها، وشكلوا إضافة كبيرة لمجتمعنا. ولتحسين جودة حياة كبار المواطنين والمقيمين في إمارة أبوظبي، وتعزيز اندماجهم في المجتمع ومشاركتهم الفعالة في أنشطته، وتمكينهم من التطوير والتشجيع على متابعة المهارات المكتسبة وتنميتها، وقعت المؤسسة اتفاقية تعاون مع عدة هيئات محلية لتساندها في تحقيق كل ما سبق، لأنها أهداف قيّمة بالتأكيد.