تعتبر الكوارث الطبيعية، مثل الحرائق القاتلة في جزيرة ماوي، مأساة من حيث الخسائر في الأرواح. ولكن هذا لا يعني أننا لا ينبغي أن نتجاهل الضرر الاقتصادي، الذي غالباً ما يكون كبيراً. في عام عادي، ترتبط أعلى تكلفة بشرية واقتصادية ناجمة عن الكوارث الطبيعية بدرجات الحرارة المرتفعة على الرغم من تجاهل الحرارة في كثير من الأحيان، ولهذا السبب يطلق عليها اسم القاتل الصامت.

ويشكل الانخفاض في إنتاجية العمل القناة الرئيسية التي تؤثر من خلالها درجات الحرارة المرتفعة على الاقتصاد. وقدر الباحثون في المجلس الأطلسي، وهو مركز أبحاث معتدل، في عام 2021 أن الحرارة المرتفعة كلفت الاقتصاد الأميركي 100 مليار دولار سنوياً، أو حوالي 0.3% من الناتج المحلي الإجمالي، عن طريق خفض إنتاجية العمل. إذا لم تتكيف الشركات والاقتصاد، فقد يصل الانخفاض في الإنتاجية إلى 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، ثم إلى 1% بحلول عام 2050.

وهذا مجرد تقدير واحد من عدة تقديرات، ولكن التأثيرات السلبية الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة على الإنتاجية هي نتيجة سائدة. تخفي التقديرات الرئيسية اختلافات كبيرة بين مختلف قطاعات الاقتصاد. وعلى الرغم من أن التأثيرات كانت ضعيفة في قطاع الشركات، إلا أنه في قطاع الزراعة، حيث يتعرض العمال في الغالب لدرجات الحرارة المرتفعة في الهواء الطلق، تنخفض الإنتاجية بشكل كبير.

علاوة على ذلك، لم يُظهِر الاقتصاد الزراعي سوى قدر ضئيل من التكيف خلال الأعوام الخمسين الماضية مع ارتفاع درجات الحرارة، مما يشير إلى أن التأثيرات طويلة الأجل على الإنتاجية من المرجح أن تكون كبيرة، كما رأينا على المدى القريب. يؤثر المزيج الجغرافي والصناعي على التعرض لارتفاع درجات الحرارة. أظهرت دراسة أجراها المجلس الأطلسي، أنه «في ظل الظروف الحالية، من المتوقع أن تعاني أريزونا وحدها مما يقرب من نصف الوفيات المرتبطة بالحرارة في البلاد. وتمثل ولاية تكساس ما يقرب من ثلث الخسائر الاقتصادية المرتبطة بالحرارة في البلاد».

وعلى الرغم من أن الزراعة لديها أكبر نسبة انخفاض في الإنتاجية، إلا أن القطاع صغير نسبياً مقارنة بالإنتاجية الإجمالية. أما القطاعات الأخرى المعرضة للحرارة، فهي المرافق والبناء والتصنيع والنقل. وإجمالاً، يعمل ما يقرب من 20% من العمال في وظائف معرضة للحرارة. والفقراء هم الأكثر تضرراً من ارتفاع درجات الحرارة لأنهم أكثر عرضة للعمل في وظائف معرضة للحرارة، ويفتقرون إلى تكييف الهواء، ويكونون أقل قدرة على الانتقال إلى مناطق تكون فيها درجات الحرارة أكثر اعتدالاً. وقد وجد «إيه باتريك بهرر»، الخبير الاقتصادي في البنك الدولي، أن ارتفاع درجات الحرارة لا يؤدي إلى خفض الإنتاجية فحسب، بل يؤدي إلى خفض ساعات العمل والدخل.

ويتوقع أنه خلال الفترة من عام 2040 إلى عام 2050، ستكون نسبة الخسارة في الدخل بين أولئك الذين يعيشون في العُشر الأدنى من المقاطعات من حيث الدخل أكبر بكثير منه في العُشر الأعلى من حيث الدخل، أوبنسبة 4.8% مقابل 0.2% سنوياً. وهذه خسارة مالية لا يستطيع الفقراء تحملها على الإطلاق. وتكون التأثيرات أكبر بالنسبة للعاملين في الوظائف المعرضة للحرارة.

وحتى داخل المدن، يمكن أن تتباين درجات الحرارة بشكل كبير، حيث تكون الأسر ذات الدخل المنخفض أكثر عرضة لدرجات الحرارة المرتفعة. في واشنطن العاصمة، هناك في بعض الأحيان فرق قدره 17 درجة بين الأحياء الغنية والفقيرة. وجدت أنجيل هسو، الأستاذ في جامعة نورث كارولينا واختصاصية علم المناخ، أنه في 97% من المدن الكبرى، من المرجح أن يعيش الشخص الأسود أو اللاتيني العادي في حي شديد الحرارة أكثر من الشخص الأبيض العادي. ويكون ارتفاع درجات الحرارة في بعض الأحياء هو نتيجة المباني التي تقع في مناطق لا يوجد بها الكثير من العشب والأشجار والنباتات لتجنب وامتصاص الحرارة. ويمكن أن يكون لدرجات الحرارة المرتفعة تأثير دائم على البرامج الاجتماعية مثل التعليم.

وجد جوشوا جودمان، الباحث المشارك في جامعة بوسطن، أن الطلاب في المدارس في المناطق ذات درجات الحرارة المرتفعة لديهم نتائج تعليمية أسوأ بناءً على نتائج اختبارات مثل اختبار التأهل للمنح الدراسية الوطنية PSAT. وتكون التأثيرات أقل بشكل كبير إذا كانت المدرسة مزودة بتكييف الهواء، لكن المناطق التعليمية الفقيرة لا تمتلك عادةً الموارد اللازمة لتركيب مكيفات الهواء.

إن ارتفاع درجات الحرارة هي مشكلة لن تختفي. ووجد علماء المناخ في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي أنه في بعض المواقع مثل تكساس، تضاعف تواتر موجات الحرارة بين عامي 1970 و2000، ومن المتوقع أن يزيد خمسة أضعاف خلال الخمسين سنة القادمة.

وقد بذلت بعض المناطق مثل فينيكس، المدينة الأكثر سخونة في الولايات المتحدة، جهوداً طموحة للتخفيف من تداعيات ارتفاع درجات الحرارة من خلال إنشاء مكتب للبرامج البيئية.

وتخصص فينيكس 70 مليون دولار لمشروع الإسكان الميسر والمشردين، وتقوم بزراعة الأشجار بتمويل قدره 9 ملايين دولار مقدم من خطة الإنقاذ الأميركية. ربما تكون هذه مجرد خطوات رمزية، لكنها خطوات مهمة يمكن للمدن والمناطق الأخرى المعرضة للحرارة تكرارها والبناء عليها، حيث إن الاقتصاد يعتمد عليها.

*كلوديا سهم

خبيرة اقتصادية سابقة في بنك الاحتياطي الفيدرالي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»