أدلى براد سيتسر من «مجلس العلاقات الخارجية»- الذي يحظى بتقدير لمعرفته الواسعة وتحليلاته لبيانات ميزان المدفوعات - بشهادته أمام لجنة مجلس الشيوخ حول تجنب الضرائب العالمية من قبل شركات الأدوية. قد لا تكون هذه المشكلة تلوح في الأفق بشكل كبير أمام العديد من الأشخاص، ومع استمرار الأمور كالمعتاد، قد تتساءل عن سبب الاهتمام. ولكن هناك سببان على الأقل لاهتمامك.
أولا، في الوقت الذي يشعر فيه الناس بالقلق مرة أخرى بشأن عجز الميزانية – وقدر كبير من القلق غير صادق، ولكن لا يزال موجودا - من المؤكد أن الحكومة الأميركية تخسر الكثير من الإيرادات لأن الشركات متعددة الجنسيات تلجأ إلى الحيل المحاسبية لتجنب دفع الضرائب على الأرباح التي تجنيها هنا.
ثانياً، بعد أن أصبح من المرجح بشكل متزايد الآن أن يكون دونالد ترامب هو المرشح «الجمهوري» للرئاسة، يبدو أنه من المناسب ملاحظة أن نجاحه التشريعي الرئيسي الوحيد – وهو التخفيض الضريبي لعام 2017، والذي كان من المفترض أن يعيد الشركات للاستثمار في أميركا - كان، من الناحية العملية، مشروع قانون «أميركا الأخير» الذي شجع الشركات على نقل المزيد من أرباحها المعلنة، وإلى حد ما إنتاجها الفعلي، إلى الخارج.
فيما يتعلق بالأدوية: على عكس الأنظمة الصحية في البلدان الأخرى، لم يتم إعداد نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة للتفاوض مع شركات الأدوية من أجل الحصول على أسعار أقل. في الواقع، حتى أقرت إدارة بايدن قانون خفض التضخم، مُنع حتى برنامج ميديكير على وجه التحديد من التفاوض بشأن أسعار الأدوية. ونتيجة لذلك، لطالما كان سوق الولايات المتحدة بمثابة مصدر مدر للأرباح في مجال الأدوية: في المتوسط، تكلف الأدوية التي تستلزم وصفة طبية 2.56 ضعف، مقارنة بما عليه الحال في البلدان الأخرى. ومع ذلك، من الغريب أن نقول إن شركات الأدوية لا تكاد تكسب أي أرباح من مبيعاتها في الولايات المتحدة.
يشير «سيتسر» إلى أن عام 2022 كان عاماً مربحا بشكل استثنائي لست شركات أدوية كبرى، لكن النمط - الإيرادات الكبيرة في السوق الأميركية، مع انخفاض الأرباح المُبلغ عنها - كان ثابتا بمرور الوقت.
كيف يفعل عمالقة الأدوية ذلك؟ بشكل رئيسي عن طريق إسناد براءات الاختراع وغيرها من أشكال الملكية الفكرية إلى الشركات التابعة الخارجية الموجودة في الدول ذات الضرائب المنخفضة. ثم تدفع مشاريعها التي تتم في الولايات المتحدة رسوما كبيرة لهذه الشركات التابعة لها في الخارج لاستخدام هذه الملكية الفكرية، مما يتسبب بطريقة سحرية في اختفاء الأرباح هنا والعودة إلى الظهور في مكان آخر، حيث تصبح إلى حد كبير غير خاضعة للضرائب.
إن صناعة الأدوية، حيث تعتبر براءات الاختراع، وليس مرافق التصنيع، هي الأصول الرئيسية للشركات، مناسبة بشكل استثنائي لهذا النوع من التلاعب الضريبي. لكنها ليست فريدة من نوعها. بمرور الوقت، أصبحنا اقتصادا معرفيا بشكل متزايد، حيث تتضمن حصة كبيرة من الاستثمار التجاري الإنفاق على الملكية الفكرية بدلاً من المصانع والمعدات.
وفي حين أن للمصانع ومباني المكاتب مواقع محددة، فإن الملكية الفكرية تتواجد إلى حد كبير في أي مكان تقول الشركة إنها موجودة فيه. إذا قررت شركة آبل إسناد الكثير من ملكيتها الفكرية إلى فرعها الأيرلندي، مما يتسبب في زيادة هائلة في الناتج المحلي الإجمالي لأيرلندا، فلا أحد حاليا في وضع يسمح له بالقول إنها لا يمكنها القيام بذلك.
كيف نعرف أن الأرباح الكبيرة في الخارج تعكس بشكل أساسي التهرب الضريبي وليس الواقع الاقتصادي؟ هذا أمر سهل: انظر إلى مكان الإبلاغ عن الأرباح، كما أشار «سيتسر» أيضاً، فإن الجزء الأكبر من أرباح الشركات الأميركية التي تم الإبلاغ عنها في الخارج تكون في اقتصادات صغيرة، لا يمكن أن تكون مراكز ربح رئيسية ولكنها تقدم ضرائب منخفضة على الأرباح المبلغ عنها.
وهو ما يقودنا إلى التخفيض الضريبي الذي أقره ترامب. كان جوهر هذا التخفيض الضريبي هو تخفيض ضرائب الأرباح، بناءً على فرضية أن معدل الضريبة الرسمي المرتفع نسبياً على الشركات في أميركا، كان يتسبب في حركة واسعة النطاق لرأس المال في الخارج. لكن اتضح أن هروب رأس مال الشركة لم يكن حقيقياً، لقد كان وهما إحصائيا نتج عن التهرب الضريبي.
وبالمناسبة، لا تقتصر هذه المشكلة على أميركا فقط. يقدر صندوق النقد الدولي أن حوالي 40% من الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي - الاستثمار الذي يتضمن السيطرة على الشركات التابعة الأجنبية، على عكس الاستثمار في الحوافظ المالية، مثل شراء الأسهم والسندات - هو في الواقع استثمار «وهمي» مدفوع بالتهرب الضريبي الذي لا يتوافق مع أي شيء حقيقي.

ليس من المستغرب إذن أن خفض ترامب الضريبي لم يحقق الطفرة الاستثمارية الموعودة. كما يحدث، فإننا نشهد الآن بالفعل ازدهارا في الاستثمار الصناعي - ولكنه مدفوع بسياسة إدارة بايدن الصناعية الخضراء بدلاً من التخفيضات الضريبية الشاملة.
الآن، هناك بعض المقترحات المدروسة جيداً لمعالجة تجنب ضريبة الشركات. للأسف، من شبه المؤكد أنها لا جدوى منها طالما أن مجلس النواب يتحكم فيه حزب يريد حرمان مصلحة الضرائب من الموارد التي تحتاجها لمتابعة التهرب الضريبي. لكن لا يزال يتعين عليك أن تضع في اعتبارك أن اتخاذ إجراءات صارمة ضد التهرب الضريبي يمكن أن يقلل بشكل كبير من عجز الميزانية. ويجب أن تضع في اعتبارك أيضا أن مبادرة السياسة الداخلية الرئيسية الوحيدة لإدارة ترامب كانت فاشلة.
*أكاديمي أميركي حائز نوبل في الاقتصاد. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»