أخذت الأسواق المالية أخيراً تنتبه إلى إمكانية أن تتخلف الولايات المتحدة عن تسديد ديونها. إذ ارتفعت معدلاتُ الفائدة على الديون قصيرة الأجل وكلفةُ التأمين ضد التخلف عن التسديد، مما يعكس مخاوف من إمكانية التخلف عن تسديد الديون الأميركية في الوقت المحدد.
والواقع أن لا شيء تقريباً بشأن الأزمة التي تلوح نذرها في الأفق حالياً يفترض أن يكون مفاجئاً. وأي شخص كان يتوقع ألا يقدِم حزبٌ «جمهوري» بات تحت سطوة أنصار شعار «اجعلوا أميركا عظيمة من جديد»، ولا يصدّق معظمُ أنصاره أن جو بايدن انتُخب بطريقة شرعية، على استغلال تحديد سقف للديْن واستخدامه كسلاح فإنه كان واهماً.
كما أنني لم أفاجأ بكون إدارة بايدن لم تتبنَ بعد أياً من الاستراتيجيات الممكنة التي يمكن من خلالها الالتفاف على سقف الدين. ولئن كانت العديد من الاعتراضات على مثل هذه الاستراتيجيات خاطئة، فإن أي مناورة لتفادي تحديد سقف للدين تنطوي على مخاطر قانونية وسياسية من شأنها رجّ الأسواق وزعزعة استقرارها، وشخصياً أتفهمُ امتناع الإدارة عن الكشف عن نواياها حتى اللحظة الأخيرة. 
غير أن الشيء الذي شكّل مفاجأة هو جبن الجهات التي نصّبت نفسها وصيةً على المسؤولية المالية. 
إنني أتحدث عن المنظمات المختلفة -- منظمات مهنية مثل «غرفة التجارة» و«طاولة الأعمال المستديرة»، ومراكز أبحاث يفترض أنها مستقلة وغير متحيزة لأي من الحزبين مثل «لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة» - التي لعبت دوراً مهماً جداً خلال سنوات أوباما، ونجحت في إقناع العديد من وسائل الإعلام والمؤسسات السياسية بأن الديون هي أكبر مشكلة اقتصادية تواجه أميركا، وليس التعافي البطيء. وبدوره، ساعد الهوسُ بالديون على الإبقاء على البطالة أعلى بكثير لفترة أطول مما ينبغي، مما كلّف أميركا فعلياً ملايين الوظائف. 
كنتُ أسخر من هذه المنظمات وألقّبها بـ«الأشخاص الجادين جداً» ومنتقدي العجز، مشيراً إلى أن أجندتها الحقيقية لديها علاقة أقوى بتقليص البرامج الاجتماعية – وخفض معدلات الضرائب! – منها بتخوفات حقيقة بشأن الديون. 
ومع ذلك، فربما كان المرء سيتوقع أن ترفض حتى هذه المنظماتُ فكرةَ سياسةٍ مالية من خلال الابتزاز، التي علاوة على كونها تشكّل انتهاكاً لفكرة ميزانية منظمة، يمكن أن تؤدي إلى تفاقم وضع أميركا المالي كثيراً عبر نسف مصداقيتنا وبالتالي رفع كلفة اقتراضنا.
وبالفعل تشير بعض التقارير إلى أن مسؤولي إدارة بايدن كانوا يتوقعون أن تمارس هذه المنظمات ضغطاً على «الجمهوريين» لتجنب تصعيد بخصوص مشكلة الديون. ولكن الرد الفعلي لمنتقدي العجز كان هو حثّ الإدارة على الرضوخ للابتزاز. 
ولعل السلوك الأكثر إثارة للصدمة هو ذاك الذي أتت به «لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة»، وهي منظمة تحظى ببعض الاحترام عادة، حتى بين أولئك الذين لا يتفقون مع أولوياتها، وذلك بسبب خبرتها التقنية. 
وبالنظر إلى هذه السمعة، كان رد هذه اللجنة على مأزق الديون مذهلاً حقاً. ذلك أنها لم تكتفِ بحثّ بايدن على التفاوض مع «محتجزي الرهائن» فحسب، وإنما اعتبرت أيضاً أن «مجلس النواب أقرّ مشروع قانون معقولاً» لتقليص العجز. 
اللجنة، التي تدرك حقيقة الأمر، يفترض أن تكون أكثر حكمة وحصافة من ذلك. كلاّ، إن مجلس النواب لم يمرر خطة «معقولة» لخفض العجز، بل إنه لم يمرر أي خطة على الإطلاق، وإنما وضع بعض الأرقام من دون أن يشرح كيف يمكن تحقيقها. 
الجزء الأكبر من خفض العجز المزعوم يأتي من فرضِ سقفٍ على الإنفاق التقديري لمدة 10 سنوات، وهذا سيعني خفض الإنفاق بنسبة 24% بحلول 2033 مقارنة مع التوقعات الحالية. ولكن، ما هي البرامج التي سيتم الاستغناء عنها؟ وفي حال تم استثناء بعض الأشياء مثل مزايا قدماء المحاربين، فهل ستكون التخفيضات الضخمة المطلوبة في أماكن أخرى ممكنة؟ «الجمهوريون» لا يقدّمون أي جواب. 
عنصرٌ كبيرٌ آخر ضمن مقترح الحزب «الجمهوري»، هو خفض تمويل مصلحة الضرائب الفيدرالية. ولكن «مكتب الميزانية» التابع للكونجرس، وعلى غرار معظم المحللين المستقلين، يقول إن من شأن ذلك أن يزيد من العجز، وذلك عبر تقييد قدرة الحكومة على ملاحقة الأثرياء المتهربين من الضرائب. وهناك المزيد، وكله سيء تقريباً، ولذلك، فإن لا أحد ممن يعرفون أي شيء عن الميزانية الفيدرالية يمكنه أن يصف هذا الاقتراح بأنه «معقول». 
فما الذي يحدث هنا؟ الواقع أن هناك احتمالين اثنين. الاحتمال الأول هو الجبن. فالمنظمات مثل «لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة» بنت سمعتها على التظاهر بأنها مستقلة وغير متحيزة لأي حزب، وهو أمر صعب حينما تكون الأحزاب متعارضة كما هي اليوم - حين يكون حزب «ديمقراطي» لا يتصف بالكمال ولكنه عاقل في مواجهة حزب «مارجوري تايلور جرين»، (النائبة الجمهورية المشهورة بانتمائها لليمين المتطرف والترويج لنظرية المؤامرة). الحل السهل هو التظاهر بأن «الجمهوريين» عقلانيون، حتى عندما لا يكونون كذلك.
أما الاحتمال الثاني، فهو أن التظاهر بالاستقلالية وعدم التحيز لأي حزب كان دائماً مجرد خداع واحتيال. ولنتذكّر هنا أنه في يوليو 2019، عندما كان دونالد ترامب رئيساً وكان «الديمقراطيون» يسيطرون على مجلس النواب، عُلِّق سقف الديْن لعامين. فهل تعتقد حقاً أن «لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة» كانت ستصف موقف نانسي بيلوسي بأنه «معقول» لو أن هذه الأخيرة هدّدت بالتسبب في أزمة مالية إذا لم يتراجع ترامب عن مشروعه لخفض الضرائب في 2017؟ 
على كل حال، قد تكون هناك فائدة صغيرة إذا تمكنا من تجاوز هذه الفوضى، ألا وهي تضرر سمعة منتقدي العجز الذين لم يستحقوا أبداً تأثير سياساتهم السابقة.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز» 
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2023/05/08/opinion/deficit-republicans-debt-limit.html