مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية سنتَها الثانية، وعدم توافر أي مؤشرات على قرب نهايتها، سيظل التهديد الرئيسي متمثلاً في تصعيد العمليات العسكرية، بما في ذلك التلويح باحتمال استخدام أسلحة نووية تكتيكية. ولعل اللافت مؤخراً هو ارتفاع حدة الصراع وزيادة المخاطر بعد الخطابين اللذين ألقاهما كل من الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في الذكرى السنوية الأولى للحرب، حيث وصف المراقبون لحظةَ إلقاء الخطابين بأنها كانت «لحظة تحول الصراع إلى حرب عالمية»، الأمر الذي ينعكس سلباً على مسيرة الاقتصاد العالمي، ويضعها في اتجاه يتسم بشيء من عدم اليقين، لاسيما في ظل ارتفاع خطر انقسام منظمة التجارة العالمية، ما يؤدي إلى تراجع التعاون «وخلخلة» العلاقات الاقتصادية، خصوصاً أن التطورات المرتقبة قد تشهد جولةً جديدةً من العقوبات التي تستهدف ليس فقط روسيا، بل قد تتوسع لتشمل المزيد من الشركات والمستثمرين الذين يتعاملون معها.
وقد قدّرت دراسة للمعهد الاقتصادي الألماني خسائر الاقتصاد العالمي بسبب الحرب خلال العام الماضي بنحو 1.3 تريليون دولار، وتوقعت أن يستمر تأثير الحرب خلال العامين الحالي والمقبل. وحذّرت الدراسةُ من أن نقص المواد الخام و«عدم اليقين» سيستمران في إثارة المخاوف وسيؤديان إلى مزيد من الأكلاف والخسائر. 
وإذا كان انهيار جدار برلين مثل الانطلاقة الأكبر للعولمة، والتي وفّرت خفضاً في تكلفة الإنتاج، ودفعت نحو توسع نطاق التجارة وتبادل السلع والخدمات، ليتَضاعفَ حجم الاقتصاد العالمي ثلاث مرات، فإن المؤشرات الإيجابية بدأت بالتراجع منذ عام 2008 متأثرةً بتداعيات الأزمة المالية العالمية، حيث مثلت الخلافات التجارية الصينية الأميركية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مظاهر لهذا الاتجاه المتزايد نحو تراجع العولمة. وتَبرز في هذا المجال الدوافعُ التي تقود نحو تجزئة الاقتصاد العالمي وتفكّكه، وتشمل دوافع استراتيجية نحو تعزيز الاستقلالية، بالإضافة إلى دوافع التنافس الاقتصادي الاستراتيجي بين الدول والتكتلات والروابط التجارية الدولية وفق مصالحها. 
وكنتيجة لاستمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها، ينقسم المراقبون بين فريق يستبعد «تفكيك العولمة» ويرى أنه فيما يتجه الاقتصاد العالمي نحو مزيد من تقلبات الأسواق، فإنه لا يزال بعيداً عن «تفكك العولمة»، حيث سجلت شركات عملاقة في أوروبا وأميركا نتائج إيجابية رغم ضغوط الطلب على الاستهلاك مع تصاعد التضخم. وما سيحدث هو أن الانقسام بين الكتلتين سيتم على طول خطوط الصدع المهمة من الناحية الجيوسياسية. أما الفريقُ الآخرُ فيتساءل: هل تقود الخلافات التجارية الصينية الأميركية نحو «نهاية العولمة»؟ وهؤلاء يرون أن الدول الكبرى تتخذ خطوات متزايدة لدعم اقتصادها المحلي بتشييد جدران حوله، مع الإشارة إلى أن العالَم يدرك ما تقوم به هذه الدول، خاصة الصين، من محاولات لجذب الشركات ومساعٍ لتوفير فرص واسعة النطاق في الأسواق، من أجل الدفع باتجاه إقامة مشروعات مشتركة. 
لكن المشاركين في النسخة الأخيرة من المنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس» حذروا من خطر انقسام التجارة العالمية إلى كتل متصارعة، لذا قالت منظمة التجارة العالمية إن التحدي الكبير لا يتمثل فقط في تباطؤ النمو، ولكن أيضاً في «عدم اليقين». وأشارت إلى أن الحرب في أوكرانيا والمخاوف من «كورونا»، وهشاشة سلاسل التوريد.. كلها عوامل دفعت العديد من الدول إلى إعادة التفكير حول نهجها في التجارة والتشكيك في مستقبل العولمة.

*كاتب لبناني متخصص في القضايا الاقتصادية