يزحف الأصوليون اليوم نحو مجالات الفلسفة والعلوم. جَمَعَ من المجلات والأنشطة والفعاليات والمؤتمرات نجومَها من الأصوليين الداخلين بالمجال الفكري والفلسفي. وهذا التوجه له تاريخه سواء في الإسلام أو المسيحية. أن يتخذ الأصولي السياسي من الفلسفة وسيلةً لتمرير المشاريع الجهنمية.
نتذكر أن بعض قادة «الجهاد» الأفغاني تخصصوا بالفلسفة، ومحمد مرسي منح دكتوراه فخرية بالفلسفة، وطارق رمضان له مناظرات فلسفية مع إدغار موران وآخرين، وأطروحته للدكتوراه عن نيتشه. واليسار الإسلامي بمعظمه نزع نحو الدراسات الفلسفية واستعمال أسماء المفكرين، وتدوير النظريات من أجل تثبيت الحجج ذات البعد السياسي عن طريق الفلسفة. وكل هذا يستعاد اليوم مع «المتفلسفين الصحويين».
هذا يذكرني بالهجوم الكاسح لفيلسوف القرن الثامن عشر ديفيد هيوم في كتابه:«مبحث في الفاهمة البشرية» على مثل هؤلاء حين كتب:«إن أي كبوشي، أو أي واعظٍ متجول أو مقيم يمكنه أن يفعل في غالبية الناس وبدرجةٍ أعلى إذا ما لامس مثل تلك الأهواء العامية الفظّة»، ومن أهواء أحدهم أنه بعد ما يعتبره «تاريخ من التفلسف» وقع في عملٍ مشين حين ألّف كتاباً يهاجم فيه تعليم الفلسفة في الثانويات والجامعات.
الفلسفة بهذه الحالة حين تستعمل أصولياً تقوم بتثبيت القناعات المتطرفة، إنه البعد الأصولي في التفلسف.
يكمل ديفيد هيوم حديثه عن التطرف والتفلسف: «فالفلسفة تتطلب حريةً كاملةً أكثر مما تتطلب أيَّ امتيازٍ آخر، وتزدهر بخاصةٍ بفضل تعارض المشاعر والحجج تعارضاً حراً، بالإضافة إلى أنها وُلدت أصلاً، في زمن وبلد الحرية والتسامح، ولم تُقمع قط حتى في أكثر مبادئها تطرفاً، من قبل المعتقدات الدينية، أو الأعراف والقوانين الجزائية، إذ لو استثنينا طرد بروتاغوراس وموت سقراط، وهذا الحادث الأخير حصل جزئياً عن دوافع أخرى، فنادراً ما نصادف في التاريخ أمثلة عن هذه الغيرة المتعصبة التي تسمم العصر الحاضر».
هذا تعليق هيوم الفيلسوف التجريبي الذي كتب عن الخبرة والمعجزات والسبب، يعتبر الحرية في السؤال وتضارب الحجج، وتحدي الحجة لنقيضها هو أس العمل الفلسفي. بينما جموع المتطرفين تبحث عن ما يؤيد قناعتها الراسخة ويصقلها ويثبتها، هنا الفرق بين التفلسف الحر، والتفلسف الأصولي الكارثي.

من المهين أن يقوم فيلسوف بتأييد داعش، وأن يتورط بالهجوم على دول تكافح الكراهية والعنف وتؤسس للسلام والتسامح، من يصدّق أن مترجم كتاب هوسرل: «أفكار ممهدة لعلم الظاهريات الخالص وللفلسفة الظاهراتية» يؤيد القتال في سوريا؟ هنا ذروة الخلاف مع هذه النماذج الخطيرة.