في الأيام التي أعقبت انتخابات 2020 مباشرة، كان ينبغي على الرئيس دونالد ترامب أن يعرف أنه لن يفوز. أعني ذلك بالمعنى الحرفي: كان على ترامب أن يفهم أن نمط فرز الأصوات في عدد كافٍ من الولايات أظهر أنه سيتخلف عن عدد الأصوات التي حصل عليها جو بايدن ولن يلحق به أبداً. في الواقع، فقد ذكر أحد خبراء البيانات في حملته ذلك لترامب، كما أخبر مساعده جيسون ميللر لجنة مجلس النواب التي تحقق في أعمال الشغب في الكابيتول الأميركية. كان ينبغي أن يعلم ترامب أن هذا لم يكن غريباً أو تآمرياً، نظراً لوجود الكثير من التقارير حول الطريقة التي سيتم بها فرز الأصوات. كان يجب أن يدرك أن رئاسته المستقطبة ستلهم العديد من الناس للتصويت لبايدن، كما ألهمتهم من قبل للتصويت له.
لقد أراد ترامب الفوز وتمنى أن يفوز، لكنه خسر. لكن ليس من الواضح ما إذا كان ترامب قد أدرك هذه الحقيقة. لم يكن هناك ما يدل على ذلك. وأصر دون توقف منذ نوفمبر 2020 على أن الانتخابات سُرقت منه. حتى عندما أوضح خبير البيانات أنه ليس أمامه سبيل للفوز، كما زعم ميلر، اعترض ترامب وقال: «لقد كان ينظر فقط إلى ما كانت تظهره هذه الأرقام في مقابل الأشياء الأوسع مثل الشرعية ونزاهة الانتخابات».

كانت هناك حقيقة الأمر... ثم كانت هناك طريقة ترامب للنظر في هذه الحقيقة. تقول الأرقام إنه لن يفوز، لكن ماذا عن الطعون القضائية؟ ثم فشلت الطعون أمام المحكمة، وبالتالي تحولت «ماذا عن» إلى ماذا عن الادعاءات المختلفة غير الموثوقة حول الاحتيال؟ ماذا عن فشل المحكمة في القيام بعملها؟ أليست الحقيقة تستحق المزيد من البحث؟

إن مسألة الحقيقة لها أهمية كبيرة في السياسة الأميركية. لقد عزز ترشيح ترامب ورئاسته من المكانة البارزة للاعتراف ببساطة بما هو حقيقي، وأسفرت رئاسته عن جهد عنيف لاستبدال الواقع بأكاذيب.
في هذه المرحلة، حتى الحقيقة تكون مستقطبة سياسياً. تتشابك الحقيقة والمعتقد والمعرفة بطريقة معقدة. جادل الفلاسفة أن المعرفة اعتقاد صحيح ومبرر. هل يعلم ترامب أن الانتخابات مسروقة؟ لا، لأنها لم تكن كذلك. علاوة على ذلك، ليس لديه أي مبرر للاعتقاد بأنها سُرقت. ربما يكون السؤال الأهم هو ما إذا كان يؤمن بذلك.
منذ الانتخابات، وُصفت مزاعم ترامب الكاذبة بشأن النتيجة بأنها «الكذبة الكبرى». الكذب ليس مجرد قول شيء خاطئ، بل أن تقول شيئاً كاذباً بقصد الخداع. لذلك لا يكذب كل مؤيدي ترامب بشأن نتائج الانتخابات: يعتقد الكثير منهم بصدق أن الانتخابات قد سُرقت. إنهم يصدقون ما قاله ترامب وحلفاؤه في وسائل الإعلام المحافظة عن الاحتيال وعن صعوبة تشجيع المزيد من الناس على التصويت. لكن بعد ذلك نعود إلى ترامب: إذا كان يعتقد بالفعل أن الانتخابات قد سُرقت - كيفما توصل إلى هذا الاعتقاد، حتى لو كان ذلك من خلال شعور واهم للحفاظ على الذات.

ما يهم أن ترامب نشر معلومات مضللة حول الانتخابات، دون توقف منذ ساعات قليلة فقط بعد انتهائها وصدقه ملايين الأميركيين. هذا ما أدهشني، عندما شاهدت مقطع فيديو لأحداث العنف التي وقعت في مبنى الكابيتول، والتي تم بثها خلال جلسة استماع لجنة مجلس النواب مساء الخميس: آلاف الأشخاص غاضبون تماماً بسبب ما اعتبروه انتخابات مسروقة - لأن الأشخاص الذين يعتقدون أنهم يخبرونهم بالحقيقة أصروا على أنها كانت كذلك.

هذه، في الواقع، كانت الحجة التي قدمها تاكر كارلسون، من قناة فوكس نيوز، أثناء عمله على تشتيت انتباه مشاهدي الشبكة عن نتائج اللجنة: كان هؤلاء الأشخاص غاضبين لأنهم اعتقدوا أن الانتخابات مسروقة. كان يقصد ذلك كوسيلة لتبرئة المشاغبين وغيرهم في مكان الحادث، لكن ما فعله بدلاً من ذلك هو إدانة نفسه وإدانة ترامب. وكان من بين الذين حاولوا إثارة تساؤلات حول شرعية الانتخابات. كان الدافع وراء المشاغبين هو اعتقاد اعتقدوا أنه صحيح، وبالتالي، فإن الأشخاص الذين عززوا هذا الاعتقاد الخاطئ هم المسؤولون عما أعقب ذلك.

المهم بشكل حاسم هو أنه لم يتم بذل أي جهد منذ 6 يناير لتصحيح هذا الاعتقاد. لبضع ساعات أو أيام في أعقاب أعمال الشغب، بدا أن حلفاء ترامب من المحيط الخارجي يترددون، معربين عن بعض القلق بشأن ما كان الرئيس يفعله ويقوله. لكن التكلفة السياسية والعاطفية لتحدي هذا الاعتقاد كانت باهظة للغاية. كان ترامب مكتوماً بسبب إبعاده عن وسائل التواصل الاجتماعي، لكنه مع ذلك قام هو وفريقه بالضغط، وقاموا بدعم وتضخيم حملة من زرع الشكوك حول نتائج الانتخابات. العامل الوحيد الذي ليس موجوداً الآن والذي كان موجوداً في 6 يناير هو سبب وجود الآلاف من الأشخاص الغاضبين بالمكان وفي الوقت نفسه.
لم يتراجع ترامب، بالطبع، عن مزاعمه بشأن الانتخابات. ربما يؤمن بها. ما يهم هو أنه يواصل الضغط على القضية، ويستمر في إثارة التأكيدات غير الصحيحة التي يواصل أنصاره قبولها على أنها صحيحة. ربما كان بإمكانك إقناع شخص ما في ديسمبر 2020 بأن مزاعم ترامب غبر صحيحة. ولكن الآن هناك عالم كامل من الادعاءات الكاذبة المتشابكة التي تربط كل ذلك معاً.
حتى في أعقاب جلسة الاستماع في مجلس النواب، كان ترامب يضيف أدلة، ويهين حتى ابنته لأنها لا تعرف ما الذي كانت تتحدث عنه لأنها قبلت حقيقة خسارة ترامب في الانتخابات.
وكانت القناة التي استخدمها لمشاركة هذه الأفكار هي استنساخ لتويتر، والذي ساعد في إطلاقها في وقت سابق من هذا العام، واسمها «تروث سوشيا» (truth social) والمشاركات على هذه الشبكة تسمى «حقائق»، حتى المشاركات الزائفة.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»