يعرِّض الارتفاع المستمر في أسعار الطاقة في الأسواق الأوروبية أكبرَ مستهلكي الغاز والطاقة في القارة لخسائر فادحة، مما يجبر عمالقة الصناعة على خفض الإنتاج ويهدد الانتعاش الاقتصادي.
ومع ارتفاع تكاليف الطاقة إلى مستويات قياسية جديدة يوماً بعد يوم، تتصاعد الضغوط المالية على الصناعات بأنواعها المختلفة. وفي هذا الإطار، قامت شركة صناعات الألمنيوم الفرنسية (دانكيرك)، وهي أكبر معمل لصهر المعادن في أوروبا، بخفض الإنتاج في الأسبوعين الماضيين. وستقوم شركة نيرستار، المملوكة لمجموعة ترافيجورا، بوقف إنتاج الزنك في فرنسا قريباً، بينما أوقفت شركة الأسمدة الرومانية أزوموريس نشاطَها مؤقتاً.
وكانت أزمة الطاقة هذا العام شديدةً لدرجة أن أسعار الغاز ارتفعت بأكثر من 800%، بينما قفزت تكاليف الطاقة بنحو 500%. ومع قدوم أبرد شهور الشتاء، وكبح روسيا لإمدادات الغاز، لا تلوح في الأفق أي انفراجة. وكل ذلك يهدد بأضرار دائمة على الاقتصاد الصناعي لأوروبا، تماماً كما ينتشر متغير الفيروس التاجي أوميكرون عبر القارة.
وقالت سارة هيوين، رئيسة قسم أبحاث أوروبا والأميركيتين في ستاندرد تشارترد، في مقابلة مع تليفزيون بلومبيرج: «ارتفاع أسعار الغاز، سواء للأسر أو للشركات، سيكون بمثابة رياح معاكسة للنشاط. من الواضح أن الارتفاع الأخير في أسعار الغاز هو تطور سلبي لتوقعات جميع الاقتصادات الأوروبية، بما في ذلك المملكة المتحدة أيضاً».
وقال ممثل النقابة لوران جيريت إن الألمنيوم هو أحد أكثر المعادن الصناعية كثافةً في استخدام الطاقة، كما أن ارتفاع أسعار الطاقة أجبر شركة دانكيرك على خفض الإنتاج بنحو 3%. وقال إن المصنع خسر نحو 20 مليون يورو (22.6 مليون دولار) منذ بداية نوفمبر، وقد يكون من الضروري فرض قيود أخرى إذا ظلت أسعار الكهرباء عند مستويات مرتفعة للغاية.
ومؤخراً أخضعت شركة نيرستار معملاً لصهر الزنك في فرنسا للرعاية والصيانة في الأسبوع الأول من شهر يناير، بينما ستستمر المصانع الأخرى في بلجيكا وهولندا في العمل بقدرة منخفضة. وقال معمل الصهر الروماني، ألرو، إن الأسعار الحالية غير مستدامة، بينما في الجبل الأسود، قد يتم قطع التيار الكهربائي عن مصهر KAP في نهاية العام، ما لم يوافق على دفع أسعار أعلى لمورده العام المقبل، وفقاً لوسائل الإعلام المحلية.
هناك أيضاً تهديد لسلسلة الإمداد الغذائي. وقد قالت شركة أزوموريس، أكبر منتج للأسمدة في رومانيا، وهي وحدة تابعة لشركة الحبوب السويسرية، أميروبا، يوم الجمعة الماضي، إن المنشآت بدأت في الإغلاق وإن المزارعين لن يكونوا قادرين على تحمل مثل هذه الأسعار المرتفعة. وقالت شركة يارا الدولية النرويجية، التي قلصت الإنتاج في وقت سابق هذا العام، إنها ستواصل مراقبةَ الوضع عن كثب وتقليص الإنتاج عند الضرورة.
وقالت آن-صوفي كوربو، وهي باحثة في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا: «سيؤثر ذلك علينا في النهاية من حيث تكلفة الغذاء، وسيكون لهذا تأثير في كثير من البلدان الأخرى».
وقال رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي إن الزيادة في أسعار الطاقة «تتطلب إجراءات عاجلة». ومن بين أعضاء الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 27 دولة، عملت 20 دولة على تخفيف الضربة التي يتعرض لها المستهلكون والأسر الأكثر ضعفاً. وقال للصحفيين: «مفوضية الاتحاد الأوروبي تعمل، ولكننا بحاجة إلى العمل على المستوى الوطني كذلك ولدعم العائلات والشركات».
عادةً ما تكون معامل صهر الألومنيوم بطيئة في الحد من الإنتاج نظراً لارتفاع تكاليف الإغلاق وإعادة التشغيل. وفي حين أن المشترين الرئيسيين للطاقة لديهم تحوطات طويلة الأجل، إلا أنها مسألة وقت فقط قبل أن تتدفق الزيادة.
ويذكر أن أسعار الألومنيوم قد ارتفعت في أوروبا بأكثر من 40% هذا العام، وأن الطلب في القارة آخذ في الازدهار، لكن الربحية تتآكل بسبب أسعار الطاقة. وبأسعار الحِمل الأساسي لشهر واحد في فرنسا، سيكلف حوالي 11 ألف دولار للطاقة اللازمة عادة لتصنيع طن واحد من الألومنيوم، والذي يباع بنحو 2800 دولار للطن.
وقال مارك هانسن، الرئيس التنفيذي في شركة كونكورد ريسورسز لتجارة المعادن: «نشهد أزمة وجودية في صناعة الألمنيوم الأوروبية وغيرها من صناعات صهر المعادن التي تتطلب طاقة مكثفة».
وتمثل مصاهر الألمنيوم في أوروبا حصةً صغيرةً من الإنتاج العالمي، لكنها توظف آلاف العمال وتشكل مصدراً قيّماً لإيرادات الضرائب. وقال هانسن إن التخفيضات في الإنتاج قد تجبر المنطقة على الاعتماد على الواردات من البلدان التي غالباً ما تستخدم الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى مزيد من الرياح المعاكسة للمستهلكين، مثل علامات السيارات وشركات الطيران، إذا فرض الاتحاد الأوروبي ضريبة على المنتجات كثيفة الكربون.
ومن المقرر أن تزداد أزمة الطاقة في أوروباً عمقا العام المقبل، حيث يصبح الطقس أكثر برودةً، لذلك تكافح شركة «الكتريسيتي دي فرانس إس إيه» مع العديد من حالات توقف المفاعلات. في بداية يناير، ستكون 30% من الطاقة النووية للبلاد معطلةً، مما يزيد من الاعتماد على الغاز والفحم وحتى النفط لإبقاء الأضواء مضاءةً.

إيرين جارسيا بيريز وجاك فارشي ومارك بيرتون

صحفيون لدى بلومبيرج
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»