يشهد قطاع الطاقة العالمي في الوقت الراهن تغيرات عميقة ونوعية في مقوماته وهياكله وآليات عمله. فالسباق الدولي المحموم نحو إزالة الكربون، والالتزامات العالمية المتتابعة تجاه البيئة، والتقلبات المستمرة في أسعار الطاقة الأحفورية، كلها عوامل دفعت وحفزت عمليات البحث عن مصادر متجددة وغير تقليدية للطاقة.

وفي هذا السياق، ظهر الهيدروجين الأخضر كأحد البدائل الجديدة والواعدة للطاقة الصديقة للبيئة. والهيدروجين الأخضر، بما يمثله من مصدر متجدد للطاقة النظيفة المولدة من تحليل الماء لعناصره الأولية، قد عانى وجود عقبات اقتصادية وتحديات فنية، وهو في طريقه لينافس مصادر الطاقة الأحفورية. فمن ناحية ولإنتاج هذا الهيدروجين، تستنفذ عملية تحليل الماء كميات ضخمة من الطاقة الكهربائية من مصادرها المتجددة، كطاقة الشمس وطاقة الرياح، وهو ما يفوق القدرات العالمية الحالية لهذه الطاقة.

ومن ناحية أخرى، وبرغم التطور الملحوظ في تقنيات التحليل الكهربائي للماء، فإن ما يتاح حالياً من هذه التقنيات لا يزال أقل من المتوقع وأبعد عن مستوى الربحية المأمولة من إنتاج الهيدروجين الأخضر بطريقة تجارية. وبرغم هذه التحديات والعقبات، فإن الهيدروجين الأخضر بدأ يحوز على اهتمام واضح من كبريات شركات الطاقة العالمية، خصوصاً أنه البديل الأكثر ملائمة للوقود الأحفوري في أنشطة الشحن والتصنيع كثيف الطاقة.

ومن المعلوم أن تسريع التحول للهيدروجين الأخضر يحتاج لتوافر وتضافر ثلاثة مقومات اقتصادية، أولها توسيع الإنفاق على البحوث والتطوير في تقنيات تحليل الماء. وثانيها زيادة القدرات المحلية في مجال توليد الطاقة النظيفة المرتبطة بقطاع الهيدروجين الأخضر.

وثالثها التهيئة المحلية لبيئة الأعمال، لزيادة جاذبية قطاع الهيدروجين الأخضر للاستثمارات الأجنبية المباشرة. وبمسح سريع لأقاليم العالم الجغرافية، فإن إقليم الخليج العربي يُعد وجهة دولية رئيسية في إمكانات التوسع في إنتاج الهيدروجين الأخضر. لكونه يمتلك سطوعاً مستمراً للشمس، ولما يتمتع به هذا الإقليم من بنية تحتية ملائمة للتوسع في توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، باعتبار ذلك متطلباً رئيسياً لإنتاج هذا الهيدروجين.

كما أن كفاءة بيئة الأعمال الخليجية وجاهزيتها، وتنوع الفرص الاستثمارية القائمة فيها وتكاملها، يجعل اقتصادات هذا الإقليم ملائمة لجذب استثمارات الشركات الدولية المنتجة للهيدروجين الأخضر.

وبهدف تطوير التقنيات والتكنولوجيا الرافعة لكفاءة إنتاج الهيدروجين الأخضر وتوطينها، دخلت بعض دول الخليج العربية - وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة التي تملك خريطة طريق هيدروجينية واضحة المعالم- في اتفاقات دولية مع مطوري التكنولوجيا، لتسهم بقدراتها التمويلية والبحثية في تطوير هذا النوع من التكنولوجيا، كمدخل صحيح لتوطين هذه التكنولوجيا الحديثة خليجياً.

وبتوافر كل المقومات الضرورية للتوسع في الاستثمار والإنتاج للهيدروجين الأخضر في الاقتصاد الخليجي، من المتوقع في السنوات القليلة القادمة أن ترتقي مكانة الدول الخليجية في تصدير طاقة الهيدروجين للعالم، لتفوز بذلك في هذا السباق العالمي، ولتصبح مركزاً عالمياً مهماً ليس فقط في إنتاج الطاقة المتجددة، بل في الإسهام الفاعل في حماية المناخ والبيئة من الاحتباس الحراري.

* تريندز للبحوث والاستشارات.