إن طموح الدولة الإثيوبية في أن تصبح أحد أهم اللاعبين الرئيسيين في القارة الأفريقية مشروع ومبرر، وهي أرض تنافس استراتيجي دولي بين القوى العظمى، وما يحدث فيها يضرّ بمصالح جميع الأطراف في الجوار والقرن الأفريقي ككل، والحروب الأهلية ليست بجديدة حيث يتم التحالف بين الأقليات المختلفة في المكوّن الإثيوبي لفرض السلطة، وإدارة موارد البلاد الواسعة وغير مستقلة على أكمل وجه، حالها حال باقي الدول الأفريقية الكبرى التي تمتلك ما يكفي من الموارد لتصبح دولاً متقدمةً، ولكن يبقى الصراع الأزلي على الحكم هو الهاجس الذي يعرقل أحلام تلك الدول للمضي قدماً لتحقيق ما تصبو إليه من تنمية مستدامة وازدهار على جميع الأصعدة، وتجاوز الإرث الاستعماري الأوروبي وغير الأوروبي في الماضي والحاضر بصورته المباشرة أو بالوكالة أو غير المباشرة من خلال هيمنة الفساد، وحفنة صغيرة من النخب تتحكم بثروات تلك الدول.
وتتدخل الحكومات الكبرى في وساطات عديدة وفق مصالحها لوقف القتال في إثيوبيا، وعودة الاستقرار ومنع النزاع الإثني من أن يتعمّق أو أن يستمر لسنوات طويلة، وتتمثل الخطورة في أنه من الممكن أن يمتد إلى عدد من دول القرن الأفريقي، فهناك تيغراي في إثيوبيا وإريتريا، وهناك عفر في إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي، ومسلمي بني شنقول في كل من إثيوبيا والسودان، والنوير والأنواك في كل من إثيوبيا ودولة جنوب السودان، و«صوماليا»، وهي قومية مشتركة بين إثيوبيا والصومال، كما هناك شعب جنوب إثيوبيا وهم متواجدون كذلك في كينيا.
وفي الجانب الإثيوبي بالتحديد لطالما كانت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي هي الفصيل المهيمن في الائتلاف الحاكم في إثيوبيا، وقد بدأت الخلافات منذ انتخاب آبي أحمد في عام 2018، ومن جهة أخرى ستؤثر اتساع رقعة الصراع بشكل أكبر على إريتريا، كما سيتأثر السودان كذلك باعتبار أن هناك حوالي 4 ملايين إثيوبي يعيشون قرب الحدود الإثيوبية- السودانية، وبازدياد وتيرة الحرب يمكن أن يتحولوا إلى لاجئين في السودان بالإضافة إلى اللاجئين الموجودين حالياً، فهل ستعود الحرب الأهلية بإثيوبيا لسنوات طويلة للوراء؟ وحدوث مجاعة كبرى لحوالي 7 ملايين شخص! بما في ذلك 5 ملايين في تيغراي يواجهون ظروفاً شبيهة بالمجاعة بسبب النزاعات المسلّحة!
ففي الظاهر تبدو الأزمة التي تعيشها إثيوبيا حالياً أنها صراع سياسي، ولكن ما حرّك المياه الراكدة قد يتمحور حول الموارد الاقتصادية في المقام الأول، والهدف من الإطاحة بالحزب الحاكم هو أن تعود حركة تيغرافا لحكم إثيوبيا وقيادة التحالف الحاكم بمعيّة 4 أحزاب تحت مسمى «الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي»، وهي الجبهة التي فقدت السلطة بعد ربع قرن من حكم البلاد، وترسيخ عناصر التحالف لسنوات طويلة لدورها في المؤسسات الاقتصادية والأمنية، والاستثمار الأجنبي والأراضي الزراعية والاستثمارية الواسعة ومناطق تمركز الموارد الطبيعية الاستراتيجية، وتسيير اقتصاد إثيوبيا ومقدراتها، وإدارة المليارات من الدولارات التي كانت تتلقاها البلاد سنوياً من المانحين والمقرضين الدوليين، وكلها نشاطات كانت من صلاحيات الحكومة المركزية التي سيطرت عليها «الجبهة الشعبية» لنحو 3 عقود، وكانت كذلك تسيطر على المناصب السياسية والعسكرية، وكان قادتها يمارسون السيطرة الكاملة على ثروات البلاد وجميع قطاعات الدولة الحيوية من خلال الشركات التابعة للجبهة، والتي كانت تنفذ معظم مشاريع إثيوبيا الكبرى وتحظى بغالبية الصفقات الحكومية.
ومع تبدّل الحكومة تراجعت سطوة «الجبهة الشعبية»، وتراجعت الهيمنة الاقتصادية الطويلة للجبهة في إثيوبيا، وبذل آبي أحمد جهوداً جبارة من أجل تحجيمها، وخصخصة الشركات ومحاربة الفساد من خلال إجراء تعديلات حكومية كانت تهدف لوقف استغلال موارد البلاد، وعلى أثر ذلك تعرض لأكثر من محاولة اغتيال، وهذا ما قد يفسر أن ما يدور في إثيوبيا من حرب أهلية لها أبعاد خفية، تتعدى الصراع بين القوميات والتنافس على النفوذ والمناصب الحكومية.
كاتب وباحث إماراتي في التعايش السلمي وحوار الثقافات.