المتقاعدون يُمثلون شريحة من المواطنين من كافة الإمارات أفنوا عقوداً من حياتهم في خدمة الدولة في شتى مجالات العمل، سواء المدني أو العسكري، بإخلاص وتفانٍ. ولو نظرنا بعمق لوجدنا أن تلك الشريحة مقسمة إلى ثلاث فئات رئيسية، الأولى هم من شهدوا يوم التأسيس قبل خمسين عاماً وتسابقوا لحمل المسؤولية في قطاعات التعليم والاقتصاد والدبلوماسية والصحة والشؤون الاجتماعية والأمن والدفاع وغيرها.

ونستطيع القول بأن هؤلاء هم من تسلموا التوجيه من الآباء المؤسسين وعملوا قصارى جهدهم واتصل ليلهم بنهارهم من أجل تحقيق هدفين رئيسيين. الهدف الأول هو ترجمة رؤية وطموحات ورسالة قيادة الدولة إلى واقع ملموس، فقاموا ببناء وتشغيل وحماية مؤسسات الدولة على المستويين الاتحادي والمحلي. والهدف الثاني هو إعداد وتأهيل الصف الثاني من القيادات والذين هم نواة الفئة الثانية من شريحة المواطنين الذين ساهموا بدءاً من تسعينيات القرن الماضي مع من سبقوهم في استكمال البناء والتطوير وتولوا المسؤولية تباعاً مع تقاعد الفئة الأولى.

وقد كانت الأمانة ثقيلة على تلك الفئة؛ إذ كان لهم الدور الأبرز، بجانب العديد من متقاعدي الفئة الأولى، في التطوير على ما تم بناؤه وتحقيق رؤية القيادة في وضع الدولة في مصاف الدول المتقدمة في تقارير التنافسية العالمية، بجانب إعداد والإشراف على تنفيذ استراتيجيات دخول الدولة عصر الثورة الصناعية الرابعة والفضاء والذكاء الاصطناعي وغيرها من مجالات التقدم. ومع اقتراب مواطني هذه الفئة من سن التقاعد، نجد الفئة الثالثة التي تولت المسؤولية قرابة نهاية العقد الأول من الألفية الجديدة والذين حصدوا ثمار الفئتين الأولى والثانية وتقع على عاتقهم الأمانة الأثقل وهي نقل الوطن إلى ما هو أبعد مما بلغه حالياً خلال العقود الثلاثة القادمة على الأقل، ارتكازاً على رؤية القيادة إلى أن يحين وقت تقاعدهم.

ونلاحظ هنا أن القاسم المشترك بين الفئتين الأولى والثانية من شريحة المواطنين المتقاعدين، هو التركيز على البناء أولاً وأخيراً بلا تقاعس، إيماناً منهم برسالة واحدة، ألا وهي خدمة الوطن وحماية مكتسباته والذود عن ترابه.

ولذلك فإن الخبرات التي تراكمت لدى هؤلاء المواطنين خلال سنوات عملهم كان لها أبلغ الأثر في ارتقاء الدولة سُلم الإنجازات، بجانب أن غالبيتهم قد تولوا بعد تقاعدهم مناصب استشارية في جهات حكومية عدة، استطاعوا خلالها نقل المعرفة والخبرة إلى الجيل الجديد من المواطنين الشباب.

وأود الإشارة أيضاً إلى من تقاعدوا ويتميزون بسمات خاصة ساهمت في تحقيق الأهداف الاستراتيجية التنموية للدولة في العديد من المجالات، ومن بينهم من تميز بالدقة المتناهية في إنجاز الواجبات ومهارات التخطيط الاستراتيجي والرغبة المستمرة في تعلم الجديد وتطوير الذات والعمل لساعات طويلة متواصلة بلا كلل أو ملل، والعمل على مواجهة كافة التحديات المهنية بهدوء وعزيمة وقوة إرادة.

ومؤخراً شهدت، مجدداً، مدى ولاء وإخلاص بعض المتقاعدين، وهم مزيج متفرد من فئات المواطنين المذكورة آنفاً، ولقد لمست لدى هؤلاء المتقاعدين صدق وقوة رغبتهم في الاستمرار في العطاء للوطن. وهم بذلك يضربون أروع الأمثلة للجيل الحالي من المواطنين الشباب في التضحية وبأن المواطن قادر، أثناء الخدمة وبعدها، على العمل والبناء باستمرار.

* باحث إماراتي