تشكل مسألة الأخطاء الطبية، هاجساً يؤرق الكثير من البشر وفي مختلف دول العالم، سواء من ناحية امتناع الطبيب من علاج المريض، أو من ناحية التشخيص أو العلاج أو الرعاية اللاحقة للمريض، الأمر الذي قد يؤدي إلى فقدان الثقة بالكادر الطبي والمستشفيات، ويجعل المريض عبارة عن حقل للتجارب الطبية. حيث كشفت إحدى دراسات منظمة الصحة العالمية عن وفاة خمسة أشخاص في العالم كل دقيقة بسبب أخطاء طبية في المعالجة، أي أن العالم يشهد نحو 43 مليون خطأ طبي سنوياً، سواء كانت بسبب التشخيص الخاطئ أو الأدوية غير المناسبة أو العمليات الجراحية الخاطئة، متجاوزة في ذلك ضحايا الحروب والانتحار والأمراض الفتاكة!، علماً بأن في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل وحدها يموت سنوياً نحو 2.6 مليون شخص حول العالم، بسبب الأخطاء الطبية. من جانبها حققت وزارة الصحة ووقاية المجتمع بدولة الإمارات في عام 2019 في نحو 40 شكوى خاصة بالأخطاء الطبية سنوياً، فيما وصل إجمالي الشكاوى، التي تبت فيها الهيئة (طبية وإدارية)، إلى أكثر من 240 شكوى سنوياً. إن مسؤولية الطبيب عند امتناعه عن علاج المريض مسؤولية محكومة بحدود الغاية المعدة لها من الناحية الاجتماعية والإنسانية، لذا فإنه إذا رفض الطبيب التدخل في علاج أو إسعاف أحد المرضى وهو في حالة حرجة يكون قد ارتكب خطأ يسأل عنه ويعاقب عليه، فهناك واجب إنساني وأدبي على الطبيب تجاه المريض والمجتمع الذي يعيش فيه تفرضه عليه أصول وقواعد مهنته الطبية.

فالطبيب الذي يعمل تحت مظلة وزارة الصحة أو هيئة الصحة مثلاً ليس له الحق أن يرفض علاج أحد المرضى، ما لم تكن حالته خارجة عن اختصاصه، كما يلزم الطبيب بعلاج المريض في حالة ما إذا كان المريض في منطقة نائية أو في حالة حرجة تتطلب التدخل الفوري ولا يوجد سوى هذا الطبيب لعلاجه. كما يُسأل الطبيب إذا كان خطؤه في التشخيص راجعاً إلى عدم استعماله الوسائل العلمية الحديثة، فإذا بدأ الطبيب في تكوين رأيه وأهمل في إحاطة رأيه الطبي بالضمانات الكافية يكون بذلك مسؤولاً عن الإهمال في التشخيص، غير أن الخطأ في التشخيص لا يمكن أن يكون سبباً لتحميل الطبيب المسؤولية، ويعود ذلك إلى أن الكثير من أعراض الأمراض تتشابه فيما بينها، خاصة إذا ما تم التأكد من أن الطبيب استعان بجميع الوسائل العلمية الممكنة والمتاحة لديه، ولكن مع ذلك يسأل الطبيب عن خطئه في التشخيص إذا تبين جهله بالقواعد والأصول العلمية الثابتة، لذلك فإن كل خطأ في التشخيص كالجهل الواضح أو الإهمال الجسيم أو مخالفة الأصول العلمية الثابتة مهما كانت درجتها يترتب عليه مسؤولية الطبيب.

الطبيب مهما بلغ من العلم والمعرفة لا يلزم بتحقيق الشفاء للمريض، وله مطلق الحرية في اختيار الطريقة التي يعالج بها المريض ولا يتعرض للمسؤولية في اختيار الطريقة التي يعالج بها المريض، بشرط أن يكون لهذه الطريقة أساس علمي معترف به. إلا أنه ملزم ببذل قصارى جهده في اختيار الدواء والعلاج الملائمين لحالة المريض، وأن يكتب الوصفة الطبية بوضوح ويحدد كل الجرعات وطرق استعمالها بهدف تحقيق الشفاء أو تخفيف الآلام عن المريض، مراعياً عمر المريض وهل المريض لديه حساسية من بعض الأدوية.

كما أن مسؤولية الطبيب لا تقف عند حد صرف الأدوية أو التدخلات الجراحية، بل تمتد مسؤوليته إلى رعاية المريض اللاحقة، خاصة إذا ما كانت حالة المريض حرجة وتستلزم متابعة الطبيب، وأن يضع برنامجاً لمتابعة حالة المريض، وفي حالة إهمال الطبيب للمريض يعتبر مسؤولاً عن إهماله وعدم أخذه للحيطة والحذر، حيث إن دور الطبيب لا يقف عند مجرد إجراء العملية الجراحية فقط، بل يمتد إلى متابعة حالة المريض بعد العملية لكي يتفادى ما يمكن أن يحدث من مضاعفات جراء العملية الجراحية، وعليه أن يتأكد بنفسه من أن كل إجراءات العناية اللازمة قد تمت بشكل صحيح، خاصة إذا ما كانت العملية الجراحية خطيرة وحساسة.

لقد حدد المُشرع بدولة الإمارات العربية المتحدة نصاً واضحاً بأن مسؤولية الطبيب تقوم وفق قانون المسؤولية الطبية الإماراتي على التزامه ببذله تجاه مريضه جهوداً صادقة يقظة تتفق مع الأصول المستقرة في علم الطب، فيسأل الطبيب عن كل تقصير في مسلكه الطبي. وعند إثبات وقوع الخطأ الطبي يتحمل الطبيب أو مزاول المهنة- إضافة إلى المنشأة الصحية التي يعمل لديها- مسؤولية تعويض المريض عما لحق به من أضرار مادية ومعنوية نتيجة وقوع الخطأ الطبي. لكن في النهاية يبقى التساؤل، الأخطاء الطبية إلى متى؟ *

إعلامي وكاتب إماراتي