القدوة كمفهوم بسيط هي الإنسان النموذج الذي نسعى إلى اكتساب المعرفة والأخلاق والسلوكيات منه، ونتعلمها ونسير في خطاه دائماً متبعين أفكاره وأخلاقه وتصرفاته المختلفة.

والقدوة عامل تربوي مهم في بناء شخصية الإنسان منذ طفولته. كما أن لها دوراً مهماً جداً في تكوين ملامح الأجيال والمستقبل.

قديماً كان الآباء (ومازال حتى الآن بصورة أقل)، هم القدوات وأيضاً كانت الحكايات الشعبية والمرويات عن رجال ونساء المجتمع المتميزين ذات أثر كبير في أحلام الأطفال والمراهقين، وكانوا في الأصل هم أبناء المجتمع فكونهم قدوات لا يؤثر في هوية المجتمع ولا أخلاقه وقيمه.

ومع نشأة المدارس أصبح المعلمون مصدراً كبيراً للقدوات، ومع الإذاعة والسينما والتليفزيون، أصبح لنجوم التمثيل والفنانين ولاعبي الكرة والمذيعين نصيب كبير من القدوات في المجتمع. حتى وصلنا إلى السنوات الأخيرة مع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي والهاتف المحمول الذكي الذي أصبح بيد كل طفل وجزءاً أصيلاً من تفاصيل يومنا جميعاً، صار لمشاهير شبكات التواصل الاجتماعي ومشاهير الفن ومشاهير الكرة دور أكثر قوة كقدوات، كما أن نمط الحياة المتسارع والتحولات المجتمعية في المجتمع الإماراتي والتحولات التي طالت الأسرة جعلت الآباء أكثر بعداً عن الأبناء، وأصبح لشبكات التواصل الاجتماعي سيطرة قوية وواضحة على حياة الأطفال والمراهقين، وتراجع أيضاً دور المعلم كقدوة للطلاب أمام انبهارهم بشخصيات التواصل الاجتماعي.

لنكون منطقيين ومنصفين ليس كل قدوات مواقع التواصل الاجتماعي سلبية ففيها قدوات وشخصيات تحقق إيجابية كبيرة وتأثير ملهم للكثير من الأطفال والمراهقين والشباب. القدوة في المراحل الأولى من الحياة تكون صاحبة أثر أكبر من أثرها في المراحل العمرية التالية، لأنها فترة تكوين الوعي وبناء الشخصية. وما يرسخ في نفسية الإنسان خلالها يظل قانوناً شخصياً وطبعاً سلوكياً يصعب تغييره في المراحل التالية من العمر. في تلك الفترات وجود شخص قدوة له قد تصل درجة الانبهار به إلى التقليد الأعمى والتأثر غير المنطقي وغير الواعي، فنجد الكثير من الآثار السلبية لقدوات سلبية تؤدي إلى حدوث انحرافات سلوكية للطفل أو المراهق.

ولأن القدوات أصبحوا عابرين للحدود الجغرافية والاجتماعية، فهذا يعتبر مهدداً رئيسياً لهوية المجتمع. فأثر تلك الشخصيات في بناء وعي الطفل والمراهق والشاب يؤثر، بصورة مباشرة على وعي المجتمع وأفكاره وهويته. وواقعياً لن يمكننا السيطرة على الفضاء المفتوح لشبكات التواصل الاجتماعي، فهو فعلياً خارج عن السيطرة، وكل محاولات السيطرة والرقابة سيكتب لها الفشل. وهذا واقع لا بد أن ندركه جيداً ونقر به، لكن نحتاج أن نزيد من إبراز القدوات الإيجابية ونوفر لها الإبهار الذي يخطف انتباه الأطفال والمراهقين لنحقق شيئاً من التوازن.

والأهم هو أن ننمي قدرة الأطفال والمراهقين على التمييز والوعي والإدراك بتنمية قدرات العقل النقدي لديهم والقادر على التفكير والتساؤل والتمييز، ونزرع فيهم مفهوم الحرية المسؤولة، دون أن نعرضهم لقوة المنع القهري، لأن ذلك سيدفعهم للتحايل للوصول إلى رغباتهم، وفي هذه الحالة سيكون الأثر مضاعف.

*أستاذ زائر بكلية التقنية العليا للبنات، وباحثة إماراتية في الأمن الاجتماعي والثقافي.