في السادس من يناير الماضي، بينما كان دونالد ترامب يشعِل حماس المشاغبين الذين حاولوا القيام بتمرد في مقر الكونجرس، قال لهم: «إننا نستبسل في القتال. وإذا لم تستبسلوا في القتال، فلن يكون لكم بلد بعد ذلك». وبعد خمسة شهور فحسب، استبسل زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، ميتش مكونيل، في معارضة لجنة مستقلة من الحزبين للتحقيق فيما حدث أثناء التمرد وأسبابه. وهذا مؤشر جديد واضح آخر، بالنسبة لي، على أن أميركا لم تتوقف عن كونها بلداً بل تتوقف عن كونها ديمقراطية. 
والواقع أنني لا أعتقد أن ترامب كان يقصد أن البلاد ستنتهي. بل كان الرئيس المؤيد لقومية البيض يقول لحشد مؤيديه، وغالبيتهم الكاسحة من البيض، إن هناك خطراً يحدق بتفوق البيض في بلد أبيض، يحتفي بثقافة وإرث البيض على حساب إقصاء الآخرين. فكيف يستطيع قطاع من السكان يفقد أغلبيته العددية بسبب تزايد أعداد الجماعات العرقية الأخرى، خاصة مع تزايد أعداد الهسبانك والآسيويين، الاحتفاظ بالسيطرة في نظام ديمقراطي؟ والإجابة هي أن تتخلى هذه الفئة عن المبادئ الديمقراطية الأساسية، وتعيد تعريف الديمقراطية على نحو ضيق، وتستبعد المزيد من الناس من المشاركة، بينما تمنح المزيد من السلطة لآخرين. 
اعتراض «الجمهوريين» على لجنة مستقلة تبحث في التمرد الذي استهدف مقر الكونجرس في اليوم الذي كان من المقرر أن يؤكد فيه نتائج الانتخابات الرئاسية، أمر خارق للمألوف على عدة أنحاء. فقد رفض الجمهوريون الدفاع عن الديمقراطية أمام حشد جاء للعصف بها. لكن ليس الجمهوريين في الكونجرس وحدهم هم الذين يتخلون عن الديمقراطية، فهذا يحدث على امتداد البلاد. وأحدث مجموعة من مشروعات القوانين لقمع أصوات الناخبين تضرب مثالا آخر على ذلك. فالجمهوريون لا يريدون اجتذاب جمهور الناخبين الحاليين، بل يريدون تقليص هذا الجمهور حتى يصبح أكثر استساغة لديهم. 
وربما أحد الملامح الأكثر خبثاً تتمثل في إجراءات مطروحة في مشروع قانون في تكساس يجعل من الأسهل على الولايات إلغاء نتائج انتخابات ما. وعبّرت عن ذلك صحيفة «ذي هوستن كرونيكل» قائلةً إن مشروع القانون يخفف مهمة إثبات التزوير من توافر «أدلة واضحة ومقنعة» إلى توافر «أكثرية الأدلة». وهناك إجراء ذو صلة «يسمح للقاضي بإلغاء انتخابات إذا كان إجمالي أوراق الاقتراع التي تبين أنها مزورة يتجاوز هامش الفوز». وأضافت الصحيفة: «في مثل هذه الحالات يستطيع القاضي إعلان بطلان الانتخابات دون محاولة تحديد الطريقة التي صوّت بها الناخبون الأفراد».
في بداية العملية، يحاول الجمهوريون تقييد عدد ونوع الأشخاص الذين يمكنهم التصويت. وفي نهاية العملية، يحاولون إعطاء أنفسهم خيار إبطال هذه الأصوات. والجزء الآخر من تقييد المشاركين يتمثل في منع المزيد من الناس- خاصة القادمين من خارج أوروبا- من دخول البلاد والحصول على الجنسية. وأحد أكبر العراقيل أمام التوصل إلى إصلاح شامل للهجرة تمثل دوماً في الرعب الذي يشعر به الجمهوريون من حصول المزيد من الهسبانك على الجنسية، لأن ثلثيهم يصوتون لصالح «الديمقراطيين» وضد «الجمهوريين». 
وهذا هو السبب الذي جعل إدارة ترامب تقيد حتى الهجرة القانونية، وتضع حداً أقصى لدخول اللاجئين وتستغني عما يعرف باسم تأشيرة اليانصيب. ثم هناك التأثير على الانتخابات الذي يُسمح به لفاحشي الثراء وأغلبيتهم الكاسحة من البيض في هذه البلاد، خاصة منذ التأييد القضائي في عام 2010 الذي لا يمنع الأثرياء والشركات من الإنفاق على الانتخابات. وتوصل تقرير في الآونة الأخيرة لمنظمة «إشيو وان» (غير الحزبية وغير الهادفة للربح والتي تستهدف تقليص تأثير المال على الانتخابات) إلى أن «12 مانحاً كبيراً فقط، منهم ثمانية على الأقل من أصحاب المليارات، ساهموا بما إجماليه 3.4 مليار دولار لجماعات سياسية ومرشحين اتحاديين بين يناير 2009 وديسمبر 2020». وهذه التبرعات «تعني أن 12 مانحاً كبيراً وأزواجهم (بإجمالي 19 فرداً) قدموا دولاراً واحداً من كل 13 دولاراً أُنفق في السياسة الاتحادية» خلال هذه الفترة.
أميركا لم تؤسس من البداية كديمقراطية حقيقية. ولم يكن يُسمح باختيار زعماء هذه البلاد في البداية إلا للرجال البيض الأثرياء، ولم يفكر الآباء المؤسسون بعيداً عن هذا الهدف، فيما أعتقد. لكن مع مرور الزمن، وسَّعنا حق التصويت، واقتربنا من مثال الديمقراطية. وقوبلت هذه التحركات دوماً بمقاومة شديدة. وفي بعض الأحيان يجري الرجوع عنها. ومثال هذا، الطريقة التي اُستخدمت بها «قوانين جيم كرو» في حقبة ما بعد «إعادة الإعمار» عقب الحرب الأهلية، لسحق حق السود في التصويت. 
إننا ندخل عصراً جديداً من القيود الهائلة ومن الإيمان بفكرة تفوق البيض والنفوذ السياسي للأثرياء البيض. والجمهوريون يحاولون الاحتفاظ بالسلطة عبر تقليص الديمقراطية. يريدون استعادة «بلادهم» والعودة إلى عصر كان للبيض فيه سيطرة كاملةً على السلطة والصناعة، ورسم صور موافقة لهذا. لم يصوت معظم أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين على اللجنة المستقلة لأن ناخبيهم من منفذي التمرد. والمشاركون في التمرد لم يريدوا تدمير الديمقراطية تماماً، بل يريدون إعادة تعريفها لتكون نظاماً يصبح فيه لأصواتهم وزناً أكبر وأكثر حسماً. والمشاركون في التمرد يريدون الشيء نفسه الذي يريده الحزب الجمهوري الذي يحميهم. 


*صحفي أميركي
بنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2021/05/30/opinion/republicans-congress-democracy.html