بول كروجمان*
إدارة ريجان اتخذت منعطفاً حاداً معادياً للنقابات، مما شجّع المشغِّلين على التعامل بتشدد مع النشطاء النقابيين -------------------------------- كان النشطاء العماليون يأملون أن يشكّل التصويت حول تشكيل نقابة لعمال مستودع بيسمر التابع لشركة «أمازون» بولاية ألاباما نقطة تحول مفصلية، وتحولا في منحنى تراجع الاتحادات العمالية المستمر منذ عقود. لكن بدلا من ذلك، أظهر التصويت استمرار نجاح التكتيكات التي يستخدمها المشغّلون بشكل متكرر لهزيمة الجهود التنظيمية للعمال. غير أنه ينبغي على المدافعين عن العمل النقابي ألا يفقدوا الأمل، لأن البيئة السياسية التي منحت المشغّلين المناوئين للنقابات حرية فعل ما يريدون ربما بصدد التغير.. فتراجع عضوية النقابات كان سياسياً بالدرجة الأولى، وليس نتيجة ضرورية أملاها اقتصادٌ يتغير. ثم إن أميركا بحاجة إلى إعادة إحياء النقابات حتى يكون لنا أي أمل في وقف اللامساواة المتزايدة. لنبدأ بالحديث عن أسباب تراجع عضوية النقابات أصلا، ولماذا ما يزال من الممكن الأمل في إعادة إحيائها. في الماضي، كانت لدى أميركا حركة عمالية قوية، إذ ارتفعت عضوية النقابات بين 1934 ونهاية الحرب العالمية الثانية. وخلال الخمسينيات كان قرابة ثلث العمال غير الزراعيين أعضاء في نقابات. وحتى عام 1980 كانت النقابات تمثّل نحو ربع القوة العاملة. وكان للنقابات القوية تأثير كبير حتى على العمال غير النقابيين، حيث كانت تحدّد معايير الأجور وتحذّر المشغّلين من أن عليهم معاملة عمالهم معاملة جيدة حتى لا يقابلوا بحملة منظمة. لكن عضوية النقابات تراجعت كثيراً خلال عقد الثمانينيات، وخاصة في القطاع الخاص، وواصلت الانخفاض منذ ذلك الحين. لكن لماذا حدث ذلك؟ كثيراً ما أسمع أو أقرأ أن التراجع كان حتمياً بسبب الأتمتة والعولمة، لكن الأدلة تشير إلى خلاف ذلك في الحقيقة. فرغم أننا نتحدث كثيراً عن الروبوتات هذه الأيام، إلا أن التقدم التكنولوجي كان أسرع خلال ذروة النشاط النقابي منه خلال السنوات الأخيرة. وعلى سبيل المثال، فقد ارتفعت إنتاجية العمل من 1947 إلى 1973 بشكل أسرع بحوالي الضعف مقارنة مع الفترة منذ عام 2007. غير أن ذلك لم يمنع النقابات من أن يكون لها تأثير كبير على الأجور. كما أنه كثيراً ما تكون هناك مبالغة في وصف تأثير العولمة. ذلك أن نحو ثلاثة أرباع الوظائف في البلدان المتقدمة هي أنشطة «غير قابلة للتداول»، أي أنشطة لا يمكن نقلها إلى الخارج، وهذه النسبة لم تتغير كثيراً مع مرور الوقت. والواقع أن «أمازون» مثال جيد. فإذا كانت كثير من السلع التي تستطيع شراءها عبر الإنترنت مستوردة، فإن وضع «أمازون» في السوق يعتمد على نظام ضخم من المخازن والمستودعات التي تشغّل مئات الآلاف من العمال. وتلك المستودعات لا يمكن نقلها إلى الخارج، فهدفها هو الحفاظ على المخزون على مقربة من الأسواق الرئيسية، حتى تستطيع «أمازون» إيصال أشياء في ظرف أيام. ولو كان عمال قطاع الخدمات منظَّمين في نقابة، لما وجد المشغّلون سهولة في استبدال عمال مؤطرين نقابياً بروبوتات أو عمليات إنتاج في الخارج. وهناك اقتصادات متقدمة أخرى مثل الدانمارك، التي لا تقل عولمة عنا، ما زالت لديها يد عاملة منظمة نقابياً، بل إن حتى كندا لديها حركة نقابية أكبر بكثير مما لدينا. لماذا النقابات في أميركا ضعيفة جداً؟ الواقع أن الحياة السياسية الأميركية اتخذت منعطفاً حاداً معادياً للنقابات في عهد الرئيس رونالد ريجن، ما شجّع المشغِّلين على التعامل بتشدد مع النشطاء النقابيين. وهذا كان يعني أنه مع انتقال مركز الثقل بالنسبة للاقتصاد الأميركي من الصناعة إلى الخدمات، بقي العمال في القطاعات المتنامية من دون انتماء نقابي إلى حد كبير. وهذا التراجع في العمل النقابي كانت له عواقب وخيمة. ففي عصرها الذهبي، كانت النقابات قوة فعّالة من أجل المساواة، إذ حدّ تأثيرُها من التفاوت العام للأجور وقلّص التباينَ في الأجور المرتبط بمستويات مختلفة من التعليم وحتى العرق. ويبدو أن ارتفاع عضوية النقابات كان عاملا أساسياً في الانخفاض السريع في اللامساواة الذي حدث بين عامي 1935 و1945، ما حوّل أميركا إلى أمة طبقة وسطى. وبالمقابل، لعب تراجع النقابات دوراً كبيراً في استشراء اللامساواة وركود الأجور. كما فقد العمال القوة التفاوضية بعد أن سمح ضعف سياسات مكافحة الاحتكار للشركات بكسب مزيد من القدرة على قيادة السوق. وهناك مسألة أخرى: فنحن لا نحتاج إلى نقابات قوية فقط من أجل تكافؤ الفرص الاقتصادية، بل نحتاج إليها أيضاً من أجل تكافؤ الفرص السياسية. ولئن كان مما يثلج الصدر رؤية إدارة بايدن تقترح سحب هدايا عهد ترامب إلى الشركات، فإنه ما زال صحيحاً أن أموال الشركات الكبرى لها تأثير سياسي كبير. فالأمر لا يتعلق فقط بتبرعات مرتبطة بالحملة الانتخابية فقط، ولكن مصالح الشركات تستطيع أيضاً التأثير في النقاش من خلال قدرتها على عرض وظائف مجزية على السياسيين والمسؤولين السابقين، ودعمها السخي لمراكز بحوث صديقة.. إلخ. في السابق، كان العمل النقابي يشكّل وزناً مضاداً لنفوذ الشركات. صحيح أن النقابات لم تكن أبداً في وضع يسمح لها بمضاهاة القوة المالية للشركات، ولكنها كانت تستطيع مع ذلك منح الناس القدرة على تعبئة أعضائها وأصدقاء أعضائها وجيرانهم بطرق لا تجد الشركات إليها سبيلا. ونحن في حاجة إلى ذاك النوع من القوة المضادة أكثر من أي وقت مضى. وعليه، لنأمل أن يتعامل النشطاء العماليون مع ما وقع في «بيسمر» (مجمع المخازن التابع لـ«أمازون») باعتباره تجربة مفيدة، وليس سبباً لليأس وفقدان الأمل، لأننا ما زلنا في حاجة إلى عودة النقابات القوية. *كاتب وأكاديمي أميركي حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز» Canonical URL: https://www.nytimes.com/2021/04/12/opinion/us-unions-amazon.html