لا تختلف الشخصيات والأفكار والمرجعيات التقزيمية والإقصائية ذات البعد الواحد عن بعضها البعض، سواء كانت باسم الدين أو الإلحاد، ولن يغير التعتيم والتضليل الإعلامي على الجرائم الإرهابية التي ترتكب تحت دوافع غير دينية، ووصف الإعلام لها على أنها جرائم كراهية بدلاً من إرهاب، إن كان الفاعل من المتطرّفين من اليمين المتشدد أو من أقصى اليسار، أو من الأحزاب والجماعات القومية والعرقية والعمالية والاقتصادية، وغيرها من حركات الفكر الفئوي أو الانفصالي أو الانغلاقي، أو التي تجمعها المصالح المشتركة والمصير المشترك، وتباعاً تصنّف وتقسّم المجتمعات والحضارات والثقافات، والديانات والمعتقدات والعالم ككل وفق تصنيفات تصرف عليها المليارات من الدولارات، وتوضع وفق برمجة متواترة تحت عدسة المجهر المكبر لتبدو ألف مرة أكبر من حجمها الطبيعي، أو لا تسلط عليها الضوء لكي لا تبرزها، وبعد ذلك لا غرابة في أن تجد تلك المجموعات التي يجمعها الإيمان بمبادئ جامعة لها تعمل بنفس طرق الجماعات الدينية الحركية العنيفة، من حيث التجنيد والتجمعات وخاصةً في العالم الافتراضي، إلى جانب حضورها الطاغي في الإعلام العالمي ويمثلهم أبرز الشخصيات العالمية في مختلف مناحي الحياة، وهم في حقيقة الأمر من أكبر داعمي الفكر الذي يقود للعنف بصورة غير مباشرة، ويهاجم المجتمعات على أكثر من جبهة ليشكّل العالم كيفما يشاء.
فمن لا يمثلون صورة الإرهابي والمتطرّف التقليدي وفق الصورة الذهنية الثابتة في عقول العامة، هم أخطر من أي إرهابي يحمل السلاح، ويشن هجمات على الحكومات والسكان لإرسال رسالة ما، أو التفاوض من خلال العنف للحصول على تنازل غير مباشر أو إيقاع ضرر في مفهوم الدولة الحديثة، لكون المحصلة النهائية أن من يلبس بدلة غالية الثمن والإرهابي الذي لا يتمتع بالهندام المناسب غرضهم إحداث تغيير في منظومة إدارة الدول وأسلوب الحياة بما يتوافق مع أهدافهم، وبينما يستهدف الإرهابي فئةً ويصل تأثيره لحيز الحدث وقد يمتد ليمس اقتصاد الدولة المستهدفة، أو مستوى الأمن والأمان وثقة الشارع بالحكومة، فإن الإرهابي العلماني والليبرالي والملحد، والقومي والديني غير السماوي يحدث ضرراً يمس ملايين الناس عبر قارات العالم تحت حماية الدساتير، وبمباركة الحكومات والتشريعات الدولية والمؤسسات الأممية.
فالعالم اليوم عاجز عن تنظيم الشؤون الإنسانية بصورة هيكلية أخلاقية في نسخة مقبولة من الجميع، أو تحديد أشكال التطرّف عندما يتعلق الأمر بمصلحة دولة عظمى أو سكانها أو ممارساتها في الداخل والخارج، أو وضع برنامج عالمي عام له أولوية عالية عبر جميع القارات للتصدي لطاعون التطرّف العنيف، وذلك بحسب التباين في المنظور الروحي وغير الروحي، والقوة التي يمكن أن توفر الزخم والتوجيه والمثابرة والالتزام الكافي لإنشاء نظام عالمي جديد يقرّ بأن العدالة والمساواة مستحيلة، وإنما التقريب والمقاربة قدر الإمكان، وتقنين التحيّز، حيث إنه من المستحيل للإنسان أن ينحّي جانباً المزايا التي يمنحها إياه الشعور بالتفرّد والفوقية، والانتماء الضيق والتضحية لمصلحة خاصة قبل العامة، والنسبية حيال الأخلاقيات والمفاهيم التي يراها لائقة.
فالبشر ليسوا بحاجة إلى الفضيلة الكاملة، بقدر حاجتهم لفهم جدوى ومدى احتياجهم لتطبيق بعض مظاهر الفضيلة كأهمية التآخي الإنساني، وهو يتطلب حتماً تغيير الفكر البشري وإصلاح البيئة التي تنبثق منها التيارات الأصولية المعادية لمخالفيها في حوار كوني مفتوح مستدام، وربط التطرّف والغلو والإرهاب بالدافع والفعل والممارسة والإيديولوجية بغض النظر، سواء كان المحرك سماوياً أم بشرياً، واستهداف نظم التعليم في كل المراحل وصولاً للجامعات وأعلى الشهادات العلمية، بحيث تتم مراجعة مفاهيم الإرهاب والتطرّف ومواجهة الفكر بالفكر، والحذر من النشاط التبشيري العلماني والليبرالي والإلحادي، وعدم استبدال غسيل دماغ معين بغسيل دماغ من نوع آخر، فالأصولية طريقة تفكير وليست مذهباً أو عقيدةً، وقد يمارسها الأفراد والجماعات، أو قد تمارسها الدول والتكتلات.