الإثنين 29 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الأدب.. وتحديات المناخ

الأدب.. وتحديات المناخ
10 أغسطس 2023 01:07

إميل أمين

هل الأدب إنشاء فحسب؟ عند عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين أن الأدب إنشاء ووصف. ومن هنا يمكن القول، إن إحدى وظائف الأدب، وكما قال عبدالرحمن الكواكبي، تنبيه الناس ورفع الالتباس. والشاهد أنه لم يعد هناك خطر فوق كوكب الأرض الآن أشد وقعاً وتحدياً من التغيرات المناخية، وما بات يعرف بالتحديات الإيكولوجية، تلك التي تفرضها حال الطبيعة على الكرة الأرضية.
ولعل مَن تابعوا مؤخراً تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، يكون قد راعهم حديثه عن انتقال البشر من زمن «الاحتباس الحراري»، إلى أوان «الغليان». كما أن نظرة سريعة لأحوال الكوكب الأزرق مناخياً، في الأسابيع الأخيرة، تقطع أيضاً بأن هناك مخاوفَ عميقة تتهدد القاصي والداني، ولا تكاد توفر أحداً فوق سطح البسيطة.
وحين يتعلق الأمر بمشكلات البيئة والأدب، يطرح سؤال نفسه: هل كان الأدباء والمفكرون بعيدين بأدواتهم الأدبية من قصة ورواية، شعر ونثر، مقال وبحث، عن الاهتمام بهذا التحدي المناخي القادم؟
لاشك أنهم تنبهوا لكل ذلك، بل إن منهم من كتب عن الكوارث البيئية التي جرت بالفعل من جهة، فيما أعمل بعض آخر مخيلته مستشرفاً عالم المناخ المستقبلي، ما اعتبر وقتها ضرباً من ضروب «الخيال العلمي والأدبي»، إن جاز التعبير.

شراء القطب الشمالي
وهنا يعنّ لنا أن نتساءل: أي عقلية إبداعية مستقبلية تلك التي امتلكها الأديب والروائي والشاعر الفرنسي جول غابرييل فيرن 1828-1905؟ فقد اشتهر بكتابة روايات المغامرات، وترك بصمة واضحة على أدب الخيال العلمي، وفي عام 1889، أصدر روايته المثيرة والخطيرة المعنونة «رأساً على عقب»، أو «شراء القطب الشمالي»!ويتمحور عمل فيرن، حول إعادة هندسة الكرة الأرضية، في محاولة لتغيير محورها، وجعله عمودياً كما هو الحال مع كوكب المشتري، كمحاولة لتجنيب الكرة الأرضية قلاقل مناخية.. فهل سبق فيرن بذلك علماء المناخ والفيزياء في أيامنا الحاضرة؟
خلال السنوات الأربع الماضية، ملأت الأرجاء أنباء عن تحركات سريعة تجري في القطب المغناطيسي الشمالي، الأمر الذي فتح الباب واسعاً للحديث عن انقلاب مغناطيسي جديد، واحتمال تغير محور الأرض، ما يعني أن فيرن لم يكن أديباً عادياً، وإنما كان روائياً استشرافياً، ولاسيما أن مثل هذا الانقلاب في محور الكوكب، ربما يكون كفيلاً بتغيير شكل الحياة البشرية فوق سطح الكرة الأرضية، فقد يختفي الشتاء أو الصيف، وربما كلاهما معاً دفعة واحدة.

مواجهة الحقيقة
وخلال العقد الماضي، وبالتحديد في عام 2018، اهتم موقع «أمازون»، الأميركي الشهير، بأزمة التغيرات المناخية حول الكرة الأرضية، فبادر بجمع أعمال بعض الكُتاب والأدباء الذين واجهوا حقيقة التغيرات المناخية التي لا يمكن استيعابها في ضوء تطوراتها السريعة والمريعة. وأصدر الموقع المعروف سبع قصص قصيرة تحمل عنوان «اسخن» Warmer وضمت أعمالاً للكاتبة الصحفية والروائية الأميركية «جين سمايلي»، الحائزة على جائزة بوليتزر، إلى جانب كل من الكاتبة لورين جروف، والكاتب الأميركي جيمس والتر.
وتصف كتابات هؤلاء المبدعين الكبار حال الطبيعة البشرية غير الصديقة للبيئة، والتي يصفونها بالطامعة الجشعة، ويرون أن الإنسانية أخرجت نفسها من الأرض، وعلى رغم ذلك تدعي الحق في الحملقة، وترتدي ثوب البراءة، وهي من خربت مناخ العالم ولاسيما منذ زمن الثورة الصناعية، منذ منتصف القرن الثامن عشر وحتى العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.

قصص «اسخن»
إن هذه القصص تثير عبر شاعرية المراثي المعروفة في الآداب العالمية القديمة، دوافع إنسانية تتجاوز التعبير الأدبي، لتحط في عمق قلب وعقل القارئ. وتضم الروايات سخرية سوداء من بعض البشر الذين شوهوا مناخ الأرض منذ زمن، وتنشر المعنى عبر التكرار وبنبرة خافتة أو صاخبة.
وما بين سطور قصص «اسخن»، يمكن للقارئ أن يستمع لأنفاس معاناة بشريتنا، ضمن الأيام الأخيرة التي ترتفع فيها درجات الحرارة، ما قد يقود كل ذي نفس حية لنهايته، لتعود الأرض لتصبح مرة ثانية «قفراً وخالية»، كما كانت في البدء.
ومن بين قصص «أسخن» صورة أدبية لما عرفته البشرية بعد ذلك بنحو عامين، فقد حفلت واحدة من القصص السبع بحكاية عن وباء «ذكي» يجتاح كوكب الأرض ويدمر البشر والحجر، فهل كانت هذه بدورها قراءة ذاتية التحقق، أدركتها البشرية في أواخر 2019، حين تفشي وباء «كوفيد- 19» في مشارق الأرض ومغاربها؟

المستقبل الممكن
إن نظرة سريعة لأدب المناخ، سواء كان واقعياً أم متخيلاً، تقطع بدور رائد وتقدمي للآداب في تخيل المستقبل الممكن، الجيد والسيئ معاً.ولا تبدو إذن ظاهرة تداخل الأدب مع واقع المناخ مسألة حديثة، وخير دليل على ذلك، ما كتبته الروائية السويسرية «ماري شيللي» في وقت مبكر جداً، وتحديداً عام 1816، ضمن روايتها الشهيرة «سنة دون صيف». 
وكأن «شيللي» كانت تصف بعضاً من مخاوف البشرية اليوم بسبب المناخ، حيث بقاع وأصقاع تهلك حراً، وأخرى تفتقر إلى ضوء الشمس، وبينهما تحدث الكوارث المناخية.
في روايتها تتحدث «شيللي»، عن سنة شهدت تقلبات مناخية قاسية وانخفضت درجة الحرارة فيها بشكل ملحوظ، مما أدى لنقص المحاصيل في نصف الكرة الشمالي وسميت أيضاً بسنة الفقر.

الفردوس المفقود
وهل كان شاعر «الفردوس المفقود» جون ملتون (1608-1674)، بعيداً عن الربط بين الأدب وتطورات المناخ العالمي؟
في ملحمته الخالدة، «الفردوس المفقود» التي كتبها هذا الشاعر الإنجليزي الكبير في عام 1667، وجاءت في عشرة كتب، وتبعتها الطبعة الثانية عام 1674، حيث أعيد تقسيمها في اثني عشر كتاباً (بطريقة تقسيم إنياذة فيرجيل)، مع بعض التنقيحات البسيطة والملاحظة على طريقة نظم الشعر. 
ففي هذه الملحمة نجد ميلتون يشكو ويئنُّ من الطقس البارد الذي يحيط به، بل يمنعه من المضي قدماً في كتابة عمله الفني الكبير والمثير.
وقد عاش ميلتون في فترة زمنية عرفت بـ«العصر الجليدي الصغير»، وهي فترة انخفضت فيها حرارة القارة الأوروبية خاصة بشكل كبير، وامتدت من القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر، وإن كان بعض خبراء المناخ يرون أنها تعود للقرن الثالث عشر الميلادي.

«الحيوانات العطشى»
تعد رواية «الحيوانات العطشى» من أحدث الإصدارات التي تربط بين الأدب وأزمة المناخ، هذه الرواية التي تحمل اسماً فيه إسقاط كبير، فالحيوانات هنا، ترمز في الغالب للبشر. والرواية للكاتبة المصرية «راشيل عطا الله» التي تعيش في العاصمة البريطانية لندن، وقد سلطت صحيفة «الغارديان» الضوء عليها لأهميتها.
ولا شك أن جزءاً بالغاً من تغيرات أو بالأحرى تدهورات المناخ حول الكرة الأرضية، يؤثر في الحال، وسيفعل ذلك أكثر في المستقبل، سلباً من دون شك، على مصادر المياه العذبة اللازمة للإنسان والحيوان والنباتات وكل الكائنات الحية. وتذهب عطا الله في روايتها لتقريب حقائق التغيرات المناخية، ومساءلة السلوك البشري، وإبراز تساؤل مهم وجذري: مع بدء تضاؤل مواردنا الطبيعية، هل نتبع نهجاً مجتمعياً ترشيدياً سعياً وراء التغيير النشط؟ تبدو رغبتنا العارمة نحو البقاء، وكأنها تدفعنا في طريق «نرجسية غير مستنيرة»، ستدفع تكاليفها الأجيال القادمة.
وهنالك كثير من الأدباء والكُتاب الآخرين غير «راشيل عطا الله» نبهوا إلى أزمة المياه، وتأثر الأنهار العذبة بارتفاع درجة الحرارة من جهة، أو ذوبان الكتل الجليدية، وارتفاع مستويات المحيطات، وحدوث ظاهرة النحر، أي اقتطاع البحر من اليابس من جهة أخرى.

الريح من لا مكان!
ففي عام 1961، أصدر الروائي البريطاني جيمس غراهام بالارد (1930-2009) روايته الشهيرة «الريح من لا مكان»، التي صدرت عن دار نشر، بيركلي بوكس.
ومرة أخرى يصاب القارئ بحالة من الذهول، ولاسيما بعد أن تحولت رواية كتبت قبل ستة عقود، بأسلوب أدبي، إلى حقائق معاصرة في أيامنا.
وقد تنبأ بالارد، في روايته، بأن الحضارة الإنسانية، قد تضمحل من فوق سطح الأرض، أما السبب، فهو هبوب رياح من جهات الأرض الأربع، ما يتسبب في ارتفاع منسوب المياه، وهبوب أعاصير عاتية لا تصد ولا ترد، ما يمنع أول الأمر السفر جواً وبراً وبحراً، ثم تختبئ البشرية في «الدياميس» (أنفاق الأرض)، غير أن بخار الماء يخنق الهاربين تحت سطح الأرض، وفق خيال الرواية!
فهل استلهم بالارد، روايته هذه، من قصص وأساطير أدبية قديمة عن شعوب مماثلة، اختفت بالفعل، لكنها خلفت وراءها الكثير من السراديب والأنفاق التي ربما بدا أنها احتمت بها في أوقات تغيرات مناخية مشابهة؟ قد يكون الأمر كذلك، والفكرة نفسها ربما ألهمت كتاباً آخرين انشغلوا كثيراً جداً بأحوال المناخ المضطربة.

العالم العائم
ومن الأدباء الذين اهتموا بالمناخ أيضاً الكاتب الأميركي «سي.مورغان بابست»، صاحب رواية «العالم العائم»، التي تصف حال الكوكب الأرضي الغارق، بعد تداعي الكوارث الطبيعية عليه، ويظن أن «بابست»، قد استلهم روح روايته هذه من إعصار «كاترينا»، الذي ضرب جنوب شرق الولايات المتحدة الأميركية عام 2005، وتحديداً مدينة «نيوأورلينز»، أكبر مدن ولاية «لويزيانا»، وقد خلّف قصصاً إنسانية مأساوية ارتبطت بتغير المناخ.
ويطرح سوال أخير نفسه: هل استشرف العلماء والمفكرون العرب والمسلمون العلاقة بين الأدب والمناخ قبل كل هؤلاء؟

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©