الجمعة 17 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«غجر البحر» والمُساومةُ المُرّة

ملصق مسرحية غجر البحر (من المصدر)
27 فبراير 2023 01:16

إبراهيم الملا (الشارقة)

في إطار مشهدي وتعبيري بدا تجريبياً صرفاً في توليفته السينوغرافية وبنائه السردي، ومفارقاً لما تم تقديمه من عروض انتمت في غالبها للمسرح الشعبي بأجوائه الفلكلورية والتراثية، قدمت فرقة قطر المسرحية، مساء أمس الأول، بقصر الثقافة في الشارقة، ضمن عروض الدورة الرابعة من مهرجان المسرح الخليجي، عرضها (غجر البحر)، من تأليف: طالب الدوس، وفكرة وإخراج: ناصر عبدالرضا، ورأينا منذ بداية العرض تسيّد الطابع التغريبي والشكل الرمزي المتعلقين بالزمان والمكان، وذلك من خلال نوعية الأزياء المبهمة، وطبيعة الديكورات الغرائبية وكذلك تصميم الرقصات الإيمائية (الكوريغراف) المتداخلة مع بيئة بحرية مفتوحة على التأويل البصري والذهني، حيث نرى مجموعة من الراقصين بملابسهم الأقرب للكائنات البحرية وهي تترجم صخب الموسيقا إلى تنويعات جسدية توحي بظهور أحداث قادمة ومريبة، ستتكشّف تدريجيا أمام المشاهد، عندما تخرج امرأة غجرية – الفنانة روان حلّاوي، بملابسها الزاهية وهي تمشي بدلال أمام مجموعة من صيادي الأسماك الفرحين بوجودها بينهم، وفي الطرف المقابل نرى زوج المرأة الغجرية المدعو باسم (بحري)، الفنان فيصل رشيد، وهو يقوم فزعاً من نومه إثر كوابيس داهمته وجعلته يهذي بتنبؤات مقلقة حول مجريات المستقبل، الأمر الذي يدعو الصيادين للسخرية منه ومن خوفه المبالغ به، ولكن مع توالي الأحداث، وتغيّر الأحوال، يشعر الساكنون قرب الساحل بوجود ظواهر غريبة لم يستشعروها سابقاً، وكان من أهم هذه الظواهر انحسار البحر بشكل مخيف وكبير، ما أدّى إلى تعطل مراكب البحارة عن العمل بعد سقوطها في رمال الساحل، الأمر الذي يخلق لدى الصيادين حالة من الرعب الداخلي وسيطرة الهواجس والوساوس عليهم، ما يدفعهم في النهاية إلى تصديق الشائعة التي تطلقها (غجرية) زوجة (بحري) حول امتلاك زوجها لقدرات خارقة وكرامات وإمكانات خاصة تجعله يتحكم بالطبيعة وبحركة البحر، كما تشيع أيضاً أن زوجها قادر من خلال مناماته وكوابيسه على استعادة الوضع السابق ولكن بشروط تحقق لهما المكاسب الكبيرة، منها حصولها وزوجها على الحصة الأعلى من إيرادات الصيد، ويزداد جشع الزوجة عندما تطالب الصيادين وأهالي الساحل بالانصياع الكلي لها ولزوجها وأن يمتلكا السلطة والنفوذ واتخاذ القرارات الحاسمة في القرية، وإلّا فإن ثمن الرفض سيكون باهظاً، فيخضع الصيادون بعدها للوهم والخرافة، وتدب بينهم الخلافات الشخصية، وتنتشر الفتنة والفرقة في المكان، فيسيطر الغرباء ويتسيدون ويتحكمون في المكان، رغم أن المساومات المطروحة كانت متكافئة لصالح الطرفين في بداية الأحداث ولكنها تصبح مساومة مرّة، وصفقة خاسرة في نهاية الأمر.
عرض (غجر البحر) رغم طموحه التجريبي، وقوة فكرته المتمثلة في كشف عواقب الاستسلام للخرافات وتعطيل العقل، والخضوع للغرائز الفردية بدل الانتباه للمصلحة الجماعية، إلا أنه وقع في فخ الرتابة وتكرار الحبكة في مشاهد كانت بحاجة لتنويعات سردية، ومن المآخذ الأخرى على العرض إقحام المخرج لديكورات زائدة لم تخدم خطاب العمل، بل كانت تمثل عبئاً وثقلاً على السينوغرافيا، مثل المنصة العالية أو المنارة البحرية التي لم يتم استثمارها سوى في المشهد الختامي، إضافة إلى الأخطاء اللغوية الكثيرة، خصوصاً أن الحوارات كانت باللغة الفصحى.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©