الأحد 19 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

صدوق نور الدين: الليل في رمضان نغمة أخرى

صدوق نور الدين
28 ابريل 2022 01:56

محمد نجيم (الرباط)

صدوق نور الدين، أحد النقاد المهمين في المغرب، ويعتبر من الجيل الحديث الذي جاء بعد جيل النقاد المؤسسين للحركة النقدية في البلاد. وله الكثير من المؤلفات النقدية التي قارب فيها أعمال كبار الكتاب المغاربة والعرب، ومن أهم أعماله: «انغلاق الدائرة: دراسات في الرواية العربية»، و«البداية في النص الروائي»، و«بلاغة النص»، و«السرد والحرية»، و«رواية الذاكرة وذاكرة الرواية»، وأعمال أخرى عديدة.. وفي هذا الحوار يحدثنا عن طفولته وذكرياته مع شهر رمضان المبارك.
يقول صدوق نور الدين: ولدت في مدينة بحرية صغيرة، وتقليدية (أزمور). فقدت والدي مبكراً. حينها كنت في السنة الأخيرة من التعليم الابتدائي، ولذلك، لا أذكر بالتحديد الدقيق وعيي بالشهر الفضيل. إذ ظلت والدتي، رحمها الله تعالى، حريصة على توفير الإفطار، ووجبة منتصف النهار.
كانت أيام شهر رمضان بالنسبة لي كبقية الأيام، غير أني لاحقاً بدأت ألاحظ أن المائدة لم تعد تشكل اللمة الجماعية. فلا أحد من أهل البيت على ندرتهم يشاركني وبقية إخوتي الطعام. أجلس إلى المائدة وحيداً بحكم اختلاف التوقيت المدرسي، وأغادر باتجاه المدرسة، والحال نفسه عند العودة، إلا أن تردد كلمة رمضان على لسان الجميع، سواء داخل البيت أو خارجه، إلى كون اللمة العائلية تعود بعد أذان المغرب بالضبط، أيقظ وعيي على أن الظرف غير الظرف، وأن هذه المناسبة تتفرد بطابعها الخاص. وأني في مستقبل الأيام سوف أشعر بما يحس به الجميع في هذه المناسبة.

  • من مؤلفات صدوق نور الدين
    من مؤلفات صدوق نور الدين

ويضيف: بدأت التمرين على الصوم في بداية المرحلة الإعدادية، أي الصوم لساعات محدودة في اليوم، إذ دعتني والدتي إلى الصوم نصف يوم في النهار. أحياناً أصوم فترة الصباح كاملة. وفي الغد أستبدلها بفترة المساء، وليس عليّ سوى أن أجمع اليوم ليصبح كاملاً. إلا أني في الفترتين كنت كلما أحسست حرقة عطش حادة قصدت الحنفية مفتعلاً وكأني سأنظف فمي، فأترك قطرات الماء تبلل حلقي، خاصة في فترات الصيف!
وكنت أقف كبقية المنتظرين عند رأس الدرب، حيث أقطن، منتظراً سماع الأذان أو صوت المدفع يخبر بأن الفطور قد أعلن موعده. وكان كلما مر صديق أو قريب يتوجه إليّ بالسؤال: هل أنت صائم؟ وكنت أرد بالإيجاب، فيحفزني البعض، ويؤنبني آخرون بمبرر أني ما زلت صغيراً على الصوم. وحين أشرفت على إتمام المرحلة الإعدادية، تحملت مسؤولية صومي كاملة.
ومثلت فترة السحور لي زمناً فريداً. أحياناً أستيقظ لأساعد والدتي في إعداد مائدة السحور. وأحياناً أخرى يأسرني دفء الفراش فلا أقدر على مغادرته. أما وأنا أستيقظ فكان الصمت يسود الزوايا والأمكنة فلا تكاد تسمع صوتاً. وحدها الأضواء تبدو مشتعلة في البيوت الصغيرة المنتشرة على لسان الدرب. أجلس قريباً منها، وأرى الأنامل تعد الفطائر بدهنها بالزيت واستطالتها بالدلك على المائدة، ثم تهيئتها للنار اللاهبة. وحين تكون الفطيرة تحمرت تسحبها لتدسها في طبق تحت غطاء ثقيل حتى تحافظ على دفئها. ولما يكتمل عدد لا يستهان به منها، تشرع في إعداد صينية الشاي الأخضر. وفي الختام توقظ بقية إخوتي للمشاركة في تناول الوجبة.
ويستطرد صدوق نور الدين: يمكنني القول بأن المدينة كانت تعيش لحظتين. ترتبط الأولى بامتداد النهار. ويمكن تقسيمها إلى فترتين: الصباح وما بعد الظهر. فأما في الصباح فتبدو المدينة مهجورة. وحدها أقدام الموظفين تحفر الطريق باتجاه الإدارات ومؤسسات الخدمات الاجتماعية. وأما المحال التجارية وسوق المدينة في الوسط، والمقهى اليتيم والمكتبة الفريدة، فجميعها تركن إلى الصمت بانتظار ما بعد الظهيرة، حيث تعمل الأيدي بالإعداد والتنظيف، وتحمل القفف باتجاه السوق بغاية التبضع.
وأما الليل فكان نغمة أخرى. إذ لم تعد المدينة تنام مبكراً كسابق عهدها، وإنما يمتد صحوها إلى وقت متأخر من الليل. فالسكان يتجمعون في كل حي من الأحياء بعد قضاء صلواتهم محدثين موجة صخب ونقاش يمتد طويلاً. فمنهم من يتمشى، ومن يرشف قهوته أو شايه في صمت وهدوء. ولا تكاد تخفت الأصوات إلا وأذان الفجر يعلن عن ذاته.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©