الإثنين 20 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«كرة» الإدريسي الفضية عنوان لمهارة الفنون في ملعب الجغرافيا

«كرة» الإدريسي الفضية عنوان لمهارة الفنون في ملعب الجغرافيا
13 سبتمبر 2013 21:17
تعد علوم الفلك والجغرافيا من العلوم التي أسهمت الفنون الإسلامية في نشرها معرفياً عن طريق المخطوطات المصورة فضلاً على إنجازها لعدد من المنتجات المادية التطبيقية من أدوات فلكية وخرائط ومجسمات من المعادن المختلفة، وربما لم يضع فن نفسه في خدمة التطور العلمي بقدر ما وضع الفن الإسلامي مقدراته ورجاله كافة في خدمة العلم بأفرعه المختلفة. د.أحمد الصاوي (القاهرة) - تحفل كتب الجغرافيين بالخرائط التي قام الفنانون برسمها تحت إشراف علماء الجغرافيا أو قام هؤلاء العلماء بعملها بأنفسهم، وهي من الأعمال ذات القيمة الفنية والعلمية، ومن أقدم المخطوطات التي احتوت خرائط فنية استخدمت الألوان في توضيحها نسخ من كتاب الإدريسي الشهير «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق». جولات واسعة والإدريسي هو أبوعبدالله محمد بن محمد بن عبدالرحمن بن إدريس، وقد ولد في مدينة سبتة المغربية عام 493 هـ1100م، وتوفي عام 559 هـ1166م، وبعد أن قام بجولات واسعة شملت الحجاز ومصر وفرنسا وإنجلترا سافر إلى القسطنطينية وسواحل آسيا الصغرى، وعاش فترة في جزيرة صقلية، حيث حلّ ضيفاً على ملكها النورماندي روجر الثاني، وقام هناك بتأليف كتاب نزهة المشتاق خلال 15 عاماً، كما قام بعمل خريطة كروية للعالم من الفضة للملك روجر. وتعرف تلك الكرة الأرضية بلوح الترسيم ورغم أن الكرة الفضية تحطمت في أحداث ثورة بالجزيرة مازال العديد من المكتبات الأوروبية يحتفظ بنسخ من هذا المجسم للكرة الأرضية. وللعالم الإدريسي خريطة مشهورة للعالم زود بها كتابه نزهة المشتاق، وقد قام الرسامون بنقلها حرفياً وبكل الدقة في جميع النسخ المخطوطة المعروفة من هذا الكتاب، وهي من أهم الخرائط التي تكشف عن أن المسلمين كانوا يعتقدون تماماً بكروية الأرض في ذات الوقت الذي كانت تعتقد فيه أوروبا بأن الأرض ممتدة مبسوطة حتى إن مؤسسات دينية كبر غير مسلمة كانت تتهم من يقول بكروية الأرض بالهرطقة. خرائط الإدريسي وتوضح الخرائط الملونة في هذا الكتاب أن الإدريسي لجأ في رسمه للخرائط إلى استخدام خطوط الطول ودوائر العرض بشكل أكثر دقة واستخدمها في توضيح الفصول في الأقاليم السبعة للعالم مبرراً اختلاف المناخ بينها. ومن أهم الخرائط التي نشرها الإدريسي في كتابه نزهة المشتاق بعض خرائط لروسيا وفنلندا وإنجلترا فضلاً على خريطة للمنطقة العربية بأسرها بيد أن أشهرها وأدقها خريطة العالم، التي قام برسمها للملك روجر الثاني وقد حدد فيها الاتجاهات الأصلية الأربعة، وكما نلاحظ في تلك الخريطة فإن أعلاها هو اتجاه الجنوب، وذلك لأن الناس وقتها كانوا يعتبرون أن الجنوب يقع إلى الأعلى. نقطة تقاطع وفي هذه الخريطة حدد الإدريسي مصدر نهر النيل ووضع نقطة تقاطعه تحت خط الاستواء، وهذا هو موقعه الصحيح، إذ قبل دخول مياه النيل لمصر تلتقي روافد نهر النيل في الخرطوم، وبذلك دحض الإدريسي نظرية اليوناني بطليموس، الذي قال إن مصدر النيل هو تلة في القمر، وإن ظل يسمي الهضبة الإثيوبية بجبال القمر. وقد استخدم اللون الأزرق في تلك الخريطة للتعبير عن البحار والمحيطات، التي تحيط بالكرة الأرضية واللون البني للجبال والمرتفعات واللون الأصفر للصحاري، وهو ما يتم اتباعه إلى الآن في رسم الخرائط. ومن الخرائط التي عني الفن الإسلامي برسمها الخرائط البحرية، التي تشرح حركة الملاحة التجارية، وكذلك تستخدم في الأغراض العسكرية وقد أفادت أوروبا منها في حركة الكشوفات الجغرافية. خريطة تفصيلية ومن هذا النوع من الخرائط الملاحية قام قبطان البحر الريس بيري برسم العديد منها في كتابه «كتاب البحرية» في القرن العاشر الهجري 16م، ومن أهمها خريطة تفصيلية لجزيرة قبرص بالبحر الأبيض المتوسط، موضحاً عليها الجبال والمرتفعات باللون البني فيما عبر عن المرافئ برسم سفن أمامها ووقع على الخريطة المناطق السكنية وأسماء المواضع المختلفة والأنهار بل والقلاع المنتشرة على امتداد سواحل الجزيرة ولا جدال في أن لهذه الخريطة أهمية ملاحية وحربية من الدرجة الأولى. ومن خرائط الريس بيري خريطة مهمة توضح النصف الغربي من العالم، وربما تكون أقدم خريطة إسلامية للعالم بعد اكتشاف الأميركتين، ولهذه الخريطة طابع فني فريد من زاوية استخدام مقاييس الرسم لمساعدة البحارة على تقدير المسافات وقت الملاحة وتزويد الخريطة بمعلومات مكتوبة وأخرى مصورة تتصل بالجغرافيا البشرية أحياناً أو بتوزيع الكائنات الحية في بعض المواضع. مواقع النجوم وثمة رسوم توضح كيفية عمل الجغرافيين على توافر المعلومات العلمية اللازمة لرسم الخرائط الجغرافية، ومنها صورة شهيرة من مخطوط في القرن العاشر الهجري 16م يبين اعتماد الجغرافيين على أجهزة مثل «الإسطرلابات» الكروية لتعيين مواقع النجوم قبل رسم الخرائط ويبدو خمسة من هؤلاء منخرطين في تحريك الآلات وضبط المواضع ومراقبة العمل، ولا جدال أن هذه الصورة لها قيمة علمية كبيرة إلى جانب قيمتها كعمل فني. وإذا كانت الخرائط الجغرافية تبدو أقل ارتباطاً بالطابع الفني والزخرفي للفنون الإسلامية بحكم طبيعتها العلمية الصارمة فإن ثمة نوعاً آخر من الخرائط يعد أوثق صلة بطابع الفن الإسلامي، ونعني به الخرائط «الطبوغرافية»، التي كانت توضع لشرح البنية العمرانية والطبيعية لبعض الأماكن. وقد شاع هذا النوع من اللوحات التوضيحية في أحد العصور الإسلامية القديمة، وخاصة في المخطوطات التي تناولت موضوعات تاريخية مثل المعارك والفتوحات في القارة الأوروبية وكذلك إنشاء وتعمير المدن فضلاً على توضيح مراسم البلاط وقتها. ويعتمد بعض الدارسين على هذا النوع من الرسوم الطبوغرافية لتوضيح تطور تصميم المدن في الأقاليم الإسلامية، وذلك من خلال مقارنتها بصور جوية للمدن القديمة. ومن تلك الصور واحدة توضح عمران إحدى المدن القديمة، ويبدو أن المصور قام باعتلاء تله أو مكان مرتفع ورسم توزيع المباني من منازل ومساجد مستخدما منظور عين الطائر، ومعبراً عن تنظيم الطريق بصف المباني في كل شارع على خط واحد، ونظراً للتركيز على المعلومات «الطبوغرافية»، فقد خلت الصورة وغيرها من الصور الشبيهة من رسوم الأشخاص. التوثيق «الطبوغرافي» تجمع الاحتفالات بالبلاط في العصور الإسلامية القديمة بين صور الأنشطة الإنسانية وبين توضيح شامل للمكونات المعمارية للمكان الذي تجرى فيه تلك الاحتفالات، ومن ثم فهي تجمع بين القيمة الفنية والأهمية التاريخية والتوثيق «الطبوغرافي». ومن نوعية هذه الصور، واحدة رسمها الفنان سيد لقمان في مخطوط هونر نامه من القرن الثاني عشر الهجري 18م لما كان يجري من أنشطة في إحدى ساحات القصور في العصور الإسلامية، وتعد تلك الصورة من أهم الأعمال، التي وضحت التصميم المعماري للساحة وما تضمه من مبانٍ مختلفة وحدائق وممرات وما كان يجري فيها أيضاً من مراسم مختلفة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©