في منزلنا فتاة جميلة الروح والقلب تساعدنا في مهام الحياة وتفاصيل البيت، وغير ذلك من الأعمال التي تؤديها عند الطلب أو من تلقاء نفسها، وهي تجني ثمار اجتهادها بما يقدرنا الله عليه وبلطيف القول، فهي تسمع مني دائماً كلمات تشجعها وتؤكد امتناني وعرفاني لما تقدمه من تضحيات الغربة التي تسلب الشباب والصحة والسعادة أحياناً. 
ولا يخفى عليكم أني أقول لها كما أقول للأبناء والأحفاد: «أنتِ شَاطرة» أو «أنت شَاطر».. نعم أقول لها ذلك بكل ثقة وتقدير لعطائها، فلو لم أشرب قهوتها المضبوطة القناد لأصبحت أيامي كأيام من ترك الكافيين في دماغه فجوة تفسرها الفكرة البطيئة وردة الفعل الخارجة عن نطاق الخدمة! في آخر مرة ضبطت لي القهوة قلت لها: «والله أن قهوتك أحسن عن قهوة أُم خالد» نظرت إليّ بابتسامة بريئة وجريئة في نفس الوقت وقالت: «ماماه.. انتي بس تقولي كدا»، شعرت في رغبتها تأكيد ماقلته، فربما لم تسمعني أم خالد وأنا أمتدح قهوتها، فقلت بثبات «يابنتي.. كم مرة قلت لك إن القهوة اللي تسوينها ماميش شراتها في الدنيا العودة.. وهاذيه أم خالد تسمعني وأنا أرمسك جدامها»، هنا برد ذلك الوهج وفتر الفضول وسارت تتعلل بتنظيف المكان رغبة منها في سماع ردة فعل أُم خالد التي لم تنبس بكلمة واحدة، ما دعا الفتاة تستنتج أن للهزيمة أوجهاً عدة منها الصمت المطبق. نظرت إلي وقالت «ماماه.. إذا لا تريدين مني شيء سأصعد للطابق العلوي لدي ما أفعله هناك»، أومأت لها برأسي وانصرفت وابتسامتها لم تفارقني وتكاد تخترق الجانب الآخر من وجهها.
اليوم، وكعادتي قبل الخروج للقيام بأي فعلٍ خارج البيت، سألتها: «هاه، في خاطرك شيء من صوبنا» فردت: «بطرش لك صورة» توكلت على الله وعندما فتحت الرسالة فإذا بصورة لـ«سطل» لمسح الأرض (أجلكم الله)، بحثت عنه في محلين ولم أجده فقررت شراءه عبر الشبكة العنكبوتية ولكني قررت أن لا أعود إلى المنزل خالية الوفاض فاشتريت ممسحة شبه ذكية تُغني عن استعمال السطل، مؤقتاً. 
في المنزل شرحت وضعي وخطة الشراء عبر الإنترنت وناولتها العصا السحرية التي ستستخدمها لمسح الأرض، هرعت إلى غرشة الديتول، وفكت حصار العصا من المغلفات الإعلانية، وسارت تراوح بها في الممرات والغرف التي نظفتها صباح اليوم، وهي تغني وتتمتم كلمات تعبر عن السعادة.. ثم طرقت باب غرفتي وقالت «ماماه.. أنتِ شَاطرة»!
للعارفين أقول: طول سنوات دراستي من الابتدائية إلى الثانوية لم أسمع كلمة «أنتِ شَاطرة» قط، فتحت لسان العرب فوجدت مقولة العرب «حَلَبَ فلانٌ الدَّهْرُ أَشْطُرَهُ» أَي خَبَرَ ضُرُوبَهُ، يعني أَنه مرَّ به خيرُه وشره وشدّته ورخاؤُه.. أشكر الصدفة التي جعلتني أفتح قاموس اللغة لأتعلم وأعتز بعمق بحارها التي لا أعرف منها سوى شواطئ ضحلة.. تحدثوا العربية فهي بعمق المحيطات وأبعاد السماء.