السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة.. تجارب تعزّز قيمة التسجيل في كشف المستور

مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة.. تجارب تعزّز قيمة التسجيل في كشف المستور
15 أكتوبر 2012
أحمد علي البحيري (أبوظبي)- قيمة الأعمال المشاركة في مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة، تكمن في القضايا الخطيرة التي تطرحها، والإشكاليات التي قد لا تنتبه لها الأعمال الروائية، زد على ذلك ما تنتجه هذه الأعمال من سجال فكري وبصري، يقوم على عديد من الفنون، ومنها استخدام التعليق بصفة السرد الوصفي، واستثمار الإحصائيات والأرقام، لتصدير أفلام قادرة على خدمة قضايا البشرية، والتوجيه نحو (فرز الواقع) من خلال إلقاء الأنوار الكاشفة على جملة المخاطر التي تحيط بالإنسان المعاصر. من أسف ألا يحظى مخرج الأفلام الوثائقية بالتقدير الذي يحظى به مخرج الأفلام الروائية، وفي هذا الجانب يعتقد بعض قاصري النظر أن مثل هذا النوع من الأفلام قاصرة على التجسيد والتعبير والوصول الى القاعدة العريضة من الجمهور، لكن الحقيقية هي أن الفيلم الوثائقي يملك أبعادا مهمة في قضية (التنوير) وتشكيل الذائقة السينمائية والمعرفية والمعلوماتية لدى المتلقي، ربما تفوق في بعض الأعمال التسجيلية التي تحمل منهجا ونظرية بعض الأفلام الروائية. صناع السينما في الغرب أدركوا قيمة هذا النوع من الأفلام فخصصوا لها قنوات فضائية وشركات إنتاج متخصصة، تبث هذه الأفلام وبعضها يحصد الجوائز في المهرجانات، وليس بعيدا من ما أدركته إدارة مهرجان أبوظبي السينمائي بأن جلبت 13 فيلما تسجيليا، لتعرض ضمن منافسات مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة. وتضم القائمة: من روسيا فيلم “أنطون قريب هنا” لمخرجته ليوبوف أركوس في 110 دقيقة، حول انعكاسات نفسية وحياتية على مراهق مصاب بمرض التوحد. ومن مصر والإمارات يأتينا فيلم “البحث عن النفط والرمال” للمخرجين وائل عمر وفيليب ديب، في 58 دقيقة، عن العائلة الملكية في مصر، وفيلم “العالم أمامها” من كندا، للمخرجة نيشا باهوجا في 90 دقيقة حول مأساة المرأة الهندية وهي تصارع أعراف التعصب والتشدد المجتمعي، ومن الولايات المتحدة والإمارات نشاهد فيلم “عالم ليس لنا” للمخرج مهدي فليفل. ومن الأفلام التي تستحق المشاهدة، فيلم “في غضون ذلك في ماميلودي” للمخرج بنجامين كالمير (المانيا)، و”قصص نرويها” من كندا للمخرجة سارة بوتر في عرض أول في الشرق الأوسط، و”كما لو أننا نمسك بكوبرا” لهالة العبدالله، و”اللائحة” لبيث ميرفي، و”محمد أنقذ من الماء” للمخرجة صفاء فتحي، حول خطورة التلوث في مياة النيل، و”مقبول للتبني” من بلجيكا وفرنسا للمخرجين يونغ هينسن ولوران بوالو، و”المنزل الذي أعيش فيه” ليوجين جاريكي من إنتاج أمريكي في 108 دقائق، وأخيرا فيلم “يلعن بو الفسطاط” لسامي تليلي من إنتاج الإمارات ولبنان وتونس وقطر، ويحمل قيمة فكرية عالية حول جذور ثورة الياسمين التونسية. إن اختيار هذه القائمة من شأنه أن يعزز قيمة المهرجان الفكرية والتقنية، كما سيعزز قيمة الانتاج السينمائي المشترك، وتقريب الجمهور من مواضيع ونوعية هذه التجارب التي تقدم أيضا نخبة ممتازة من المخرجين والعاملين في حقل الإنتاج وتقنيات الصوت والمونتاج والتصوير الذي يلعب دورا مهما في صناعة هذه الأفلام، ويكفي أن هذه الأفلام تقوم على الحقيقة الكاملة غير المصطنعة أو المزيفة، كما تهتم بالمادة الحياتية والجانب الميداني، مع الجمع ما بين الرواية والتوثيق والرصد والغوص في أعماق المجتمع وتطور الظواهر فيه، على اعتبار أن الواقع هو المرجعية الأولى للسينما، بعيدا عن بعض الأفلام التي تتخفى تحت ظلال الوثائقي وهي في الحقيقة (تجيّر) الواقع وتفتعله لصالح فكرة أو جهة. وما يلفت الانتباه في أفلام هذه المسابقة هو اقتحام أربعة مخرجات عالم الفلم الوثائقي ومنافسته وهن: نيشا باهوجا، سارة بولي، صفاء فتحي، هالة العبدالله، وجميعهن لعبن في دائرة تحدي الانسان لظروفه المعيشية الصعبة، مضافا الى ذلك تناول مشكلات العائلة والمرأة على وجه الخصوص، فيما تغرّد المخرجة السورية هالة العبدالله خارج هذا السرب بفيلمها “كما لو أننا نمسك بكوبرا”، حينما تتناول موضوعا شائكا يعرض لتحديات ومشكلات رسامي الكاريكاتير في الوطن العربي وبخاصة في سوريا ومصر. أما فيلمها هذا فيتحدث بسردية عالية عن رسام الكاريكاتير السوري المعارض (علي فرزات) الذي تعرض خلال حراك الشارع السوري الى عنف كبير وتكسير أصابعه، كما يشير الفيلم الى وجهات نظر عدد من الرسامين ومنهم حازم الحموي ودعاء العدل، وهي أول امراة مصرية تمارس هذا اللون من الفن بحرفية عالية، فيما تلتقي الرؤى أن فن الكاريكاتير يظل سلاح مواجهة وتحريك لمشاعر الجماهير، ومساهمة بالصورة والكلمة في حراك الشارع. أما الرسام علي فرزات، فغير رسومه المؤثرة، فهو واجهة للرسامين الشباب في هذا المجال، فقد حصل في بروكسل على جائزة سخاروف لحرية الفكر من رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتر فيما يبقى فيلم هالة العبدالله بقيمته الفكرية والفنية والسياسية واحدا من الأفلام التي تتجه اليها الأنظار في المنافسة، فتجربتها المصنوعة جيدا تعكس الواقع بصدق، خاصة وأنها عالجت موضوعا مرئيا للعيان وللاعلام، كما أنها ناقشت قضية خطيرة ذات شمولية من خلال التوثيق البصري. نرشح فيلم ( يلعن بو الفسطاط) للمخرج سامي تليلي ، لإحدى جوائز هذه المسابقة ، فمن حيث مضمونه فهو ينقل لجمهور المهرجان صورة مجهولة عن أحداث الحوض المنجمي بمحافظة قفصة التونسية عام 2008 ، وينقل لنا شهادات حيّة لسكان المنطقة المحتجين على سوء أوضاعهم الاجتماعية في ظل ارتفاع مستوى البطالة والفقر وانعدام رؤية مستقبلية للأجيال الجديدة ، وفي الجانب الفني يتمتع الفيلم بتقنية عالية في مجال التصوير ونقل هوية المكان ، مضافا الى ذلك جماليات تقنية السرد والتعليق والوصف والمونتاج المبهر المتوازن مع الحالة العامة . في النهاية ليس سهلا على هذا الفيلم وغيره من أعمال التوثيق الفوز بالجوائز ، لأن لذلك مواصفات وشروطا كثيرة أهمها كيف ننجح في تحقيق ( العلاقة العرضية) بين شخصيات الفيلم المتباعدة والواقع ، وبين التقنية والاحتراف السينمائي في التعامل مع المفردات الكثيرة لتحقيق رسالة سامية .
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©