الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المسلم القانع يحبه الله.. وطمع المرء يجعله ذليلاً إلى الناس

المسلم القانع يحبه الله.. وطمع المرء يجعله ذليلاً إلى الناس
24 أكتوبر 2013 20:53
أحمد مراد (القاهرة) تقوم الحياة في الإسلام على أساس من القناعة والعفاف والزهد، وهو أمر يجعل المسلم يرضى بما كتبه الله تعالى له، ولا يتطلع إلى ما في أيدي الآخرين، فضلاً عن أن المسلم القانع يحبه الله ويحبه الناس، كما أن القناعة تحقق للمسلم خيرًا عظيمًا في الدنيا والآخرة. ويوضح الدكتورة أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر أن القناعة هي الرضا بما قسم الله لنا ولو كان قليلا، وهي عدم التطلع إلى ما في أيدي الآخرين، يقول الله تعالى: «ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى»، فقد يجرنا التطلع إلى ما عند الآخرين إلى فساد في الأخلاق كالحسد واللجوء إلى ممارسات سيئة مثل السرقات والرشوة وغيرها من طرق الكسب الحرام اعتقاداً منا أنه سيجلب لنا السعادة، والأخطر من كل هذا قد يجرنا عدم القناعة بما رزقنا الله إلى الابتعاد عن ديننا ظناً أن على الرغم من إلحاد البعض وبعدهم عن الله فإنهم يعيشون في بذخ وسعة رزق. غنى النفس ويقول: القناعة سبب البركة فهي كنز لا ينفد، وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنها أفضل الغنى، فقال: “ ليس الغِنَى عن كثرة العَرَض، ولكن الغنى غنى النفس”، فالمسلم عندما يشعر بالقناعة والرضا بما قسمه الله له يكون غنياً عن الناس، عزيزًا بينهم، لا يذل لأحد منهم. وقال أحد الحكماء: من أراد أن يعيش حرًّا أيام حياته، فلا يسكن قلبَه الطمعُ. وقيل: عز من قنع، وذل من طمع. وقيل: العبيد ثلاثة: عبد رِقّ، وعبد شهوة، وعبد طمع، ويروى أن السيدة عائشة - رضي الله عنها- أُهديت إليها سلالاً من عنب، فأخذت تتصدق بها على الفقراء والمساكين، وكانت جاريتها قد أخذت سلة من هذه السلال وأخفتها عنها، وفي المساء أحضرتها، فقالت لها السيدة عائشة -رضي الله عنها-: ما هذا؟ فأجابت الجارية: ادخرتُه لنأكله. فقالت السيدة عائشة -رضي الله عنها-: أما يكفي عنقود أو عنقودان؟. وذات مرة ذهب الصحابي الجليل حكيم بن حزام إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله أن يعطيه من الأموال، فأعطاه. ثم سأله مرة ثانية، فأعطاه. ثم سأله مرة ثالثة، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قال له مُعلِّمًا: “يا حكيم، إن هذا المال خَضِرٌ حلو فمن أخذه بسخاوة نفس “بغير سؤال ولا طمع” بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يبَارَكْ له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع واليد العليا “التي تعطي” خير من اليد السفلي “التي تأخذ”. خير عظيم ويشير إلى أن طمع المرء، ورغبته في الزيادة يجعله ذليلاً إلى الناس، فاقدًا لعزته، والإنسان الطماع لا يشبع أبدًا، ويلح في سؤال الناس، ولا يشعر ببركة في الرزق، وقال صلى الله عليه وسلم: “لا تُلْحِفُوا “تلحوا” في المسألة، فوالله لا يسألني أحد منكم شيئًا فتُخْرِجُ له مسألتُه مِنِّي شيئًا، وأنا له كاره، فيبارَكُ له فيما أعطيتُه”، وقال أيضا: “اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعففْ يعِفَّهُ الله، ومن يستغنِ يغْنِهِ الله. الراحة النفسية وتقول الدكتورة إلهام شاهين الأستاذ بجامعة الأزهر : القناعة عزة للنفس، تجعل صاحبها حرًّا، فلا يتسلط عليه الآخرون، أما الطمع فيجعل صاحبه تحت سيطرة الآخرين. وقد قال الإمام علي- رضي الله عنه-: الطمع رق مؤبد “عبودية دائمة”، والقناعة سبيل للراحة النفسية فالمسلم القانع يعيش في راحة وأمن واطمئنان دائم، أما الطماع فإنه يعيش مهمومًا، ولا يستقر على حال. وفي الحديث القدسي: “يابن آدم تفرغْ لعبادتي أملأ صدرك غِنًى، وأَسُدَّ فقرك. وإن لم تفعل، ملأتُ صدرك شُغْلا، ولم أسُدَّ فقرك” وهناك العديد من الأحاديث النبوية تحض على الزهد والقناعة، فيروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “قد أفلح من أسلم وكان رزقه كفافا، وقنعه الله بما آتاه”. كما قال أيضا: “من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها “. وقال كذلك: “ طوبى لمن هُدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافا...”، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: “ قليل يكفي خير من كثير يُلهي وما قل وكفى خير مما كثر وألهى أو أطغى”. التعفف عن السؤال وتضيف: لقد قامت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم على أساس من القناعة والعفاف والزهد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس”. وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على التعفف عن السؤال والتعرض للاعطاء، وحض على الأكل من عمل اليد، فقال: “لأن يأخذ أحدكم أحبله ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه”. وقال أيضا: “ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده”. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا وأقلهم رغبة فيها، حتى كان الزهد خلقا من أخلاقه الفاضلة وسجيه من سجاياه الطيبة الطاهرة. وعن ابن العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس. فقال: “ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس”. مجاهدة النفس أمر مطلوب أوضح الدكتور منصور مندور من علماء الأزهر أن التزام القناعة عسير على بني آدم إلا من وفقه اللّه للهدى وكفاه شر نفسه وشحها وطمعها، لأن بني آدم مفطورون على محبة التملك، ولكن مجاهدة النفس مطلوبة لتخفيف طمعها وتقريبها من الزهد والقناعة ولذلك طرق إذا سلكها العبد مع إخلاصه تحققت له القناعة بإذن الله تعالى، ومن ذلك تقوية الإيمان بالله تعالى، وترويض القلب على القناعة والغنى، واليقين بأن الرزق مكتوب والإنسان في رحم أمه، وتدبر آيات القرآن العظيم ولا سيما الآيات التي تتحدث عن قضية الرزق والاكتساب، ومعرفة حكمة الله- سبحانه وتعالى- في تفاوت الأرزاق والمراتب بين العباد، حتى تحصل عمارة الأرض، ويتبادل الناس المنافع والتجارات، ويخدم بعضهم بعضًا، والعلم بأن الرزق لا يخضع لمقاييس البشر من قوة الذكاء، وكثرة الحركة، وسعة المعارف، وإن كان بعضها أسبابًا، إلا أن الرزق ليس معلقًا بها بالضرورة، وهذا يجعل العبد أكثر قناعة، خاصة عندما يرى من هو أقل منه خبرة وذكاء أو غير ذلك وأكثر منه رزقا فلا يحسده ولا يتبرم من رزقه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©