الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أرقى منتجات التكنولوجيا ملوثة بدماء ودموع الأبرياء في الكونغو

أرقى منتجات التكنولوجيا ملوثة بدماء ودموع الأبرياء في الكونغو
24 أكتوبر 2013 20:51
يندفع أول الأطفال الجنود من بين الأشجار الكثيفة ممسكاً بندقية كلاشنكوف في يد وحفنة من براعم القنب الهندي الفتية في اليد الأخرى. على محياه، ارتسمت ابتسامة عريضة بلهاء مقرونة بنظرة ماكرة، وكأنه قد سرق شيئاً للتو. وما هي إلا ثوانٍ معدودة حتى خرج بقية أفراد العصبة من بين الخمائل المحيطة بنا، حيث انبرى حوالي عشرة أطفال مدججين بالسلاح ومرتدين بزات عسكرية وقطعوا الطريق علينا. كان ذلك في طريقنا إلى منجم بافي للذهب الخاضع لسيطرة المتمردين في الحدود الشرقية للكونغو. وتعد الكونغو أكبر دول إفريقيا جنوب الصحراء من حيث المساحة وواحدة من أغناها من الناحية النظرية، لما تزخر به من ثروات طبيعية، تقدر قيمتها بالتريليونات، وتشمل - مثلاً- الماس والذهب والكوبالت والنحاس والقصدير والتنتالوم. ولكن الحرب التي لا تتوقف جعلت منها واحدة من أفقر دول العالم وأكثرها تخبطاً. ولا يمكن فهم حقيقة هذا الوضع إلا إذا علمنا بأن المناجم التي تسيطر عليها المليشيات في شرق الكونغو تساهم في تفاقم الفوضى بهذا البلد، من خلال توفير المواد الخام لكبريات الشركات العالمية المختصة في صناعة الإلكترونيات والمجوهرات. وبالتالي، فلا يجب للمرء أن يستغرب إذا علم أن جزءاً من حاسوبه المحمول أو كاميرته أو لعبته الإلكترونية أو قلادته الذهبية قد تحمل في طياتها وصمةً مما تعانيه الكونغو من ويلات. ولكي ندرك كيف انحدرت الكونغو إلى هذه الوضعية الجنونية، لا بد من العودة أكثر من مئة عام إلى الوراء حينما استحوذ ملك بلجيكا ليوبولد الثاني عليها، من أجل مادتي المطاط والعاج اللتين يزخر بهما البلد. وبذلك دشن هجومه الجشع على خيرات الكونغو، والذي لا تزال تداعياته مستمرة حتى اليوم. وبعدما منح البلجيكيون فجأة الاستقلال للكونغو في عام 1960، اندلعت الانتفاضات على الفور، ما مهد الطريق لعسكري شاب وطموح، يدعى موبوتو سيسي سيكو، ظل يحكم البلاد 32 عاماً. لقد كان سقوط موبوتو أمراً محتوماً، غير أن سقوطه قد جر البلاد إلى وضع أسوأ. ففي 1994 اندلعت موجة الإبادة الجماعية في الجارة رواندا، مخلفة حوالي مليون قتيل. وفرّ العديد من القتلة إلى شرق الكونغو، الذي تحول إلى قاعدة لزعزعة استقرار رواندا. ورداً على ذلك، تحالفت رواندا مع أوغندا المجاورة لغزو الكونغو، إذ تمكنتا من إسقاط حكم موبوتو في عام 1997، وتنصيب لوران كابيلا الموالي لهما خلفاً له قبل أن ينقلبا عليه ويعيدا غزو البلد من جديد. وكانت تلك بمثابة المرحلة الثانية من حرب الكونغو التي تنعت عادة بالنسخة الإفريقية للحرب العالمية الأولى، والتي انجرت إليها كل من تشاد وناميبيا وأنغولا وبوروندي والسودان وزيمبابوي. في ظل الفوضى العارمة التي أعقبت ذلك، استولت القوات الأجنبية والجماعات المتمردة على مئات المناجم في الكونغو؛ فكان ذلك أشبه ما يكون بطفل مخمور ومسلح وقعت في يده بطاقة صراف آلي لحساب مصرفي ضخم. فالثوار يعتمدون في تمويل نشاطاتهم الهمجية على الماس والذهب والقصدير والتنتالوم، وهو معدن رمادي اللون يستخدم في الصناعات الإلكترونية لتوفره على خصائص مقاومة للتآكل. ويساهم شرق الكونغو بما بين 20 و50 بالمئة من الإنتاج العالمي من التنتالوم. وتحت ضغوط دولية مكثفة في مطلع العقد الأول من القرن الحالي، انسحبت الجيوش الأجنبية رسمياً، وتركت الكونغو تتخبط في الخراب؛ فلقد دُمرت الجسور والطرق والمنازل والمدارس، وأُبيدت عائلات بأكملها، وبلغت حصيلة القتلى الكونغوليين خمسة ملايين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©